وفى منتصف ذات ليلة- التى كان عقد القمر فيها قد تفسخ بسبب اعتداء الظلام الأسود على وجه الفلك المشبه بلون الماء- تحرك جيش روسيا من معسكره ومعه عدة عربات من المدفعية بغرض الإغارة الليلة، وفى تلك الليلة المظلمة، كان الخاقان الذى هو فى مقام الفلك قد أمر بتعيين حسن خان قائد الغلمان مع جمع كحراس بالقرب من خنادق روسيا، وكان حسن خان- الذى كان مشهورا بالكياسة والخبرة- مطلعا فى تلك الليلة على حركتهم، ولأن الروس لم يكونوا يعلمون مكان نزول معسكر ملجأ الظفر، فقد أخطئوا فى بداية الإقدام على الاقتحام، وكانوا يبحثون تارة فى جهة اليمين وتارة فى جهة اليسار، وكان حسن خان مع جمع من الغلمان والفرسان المثيرين للثورة خلف جماعة الروس ومراقبين لهم وطالبين لعزمهم، ولما رفع الصبح الصادق البيرق النورانى على سطح الفلك الدخانى، تحرك جيش روسيا إلى ناحية المعسكر، فأنفذ حسن خان على الفور فارسا من ذلك المكان، وأطلع الخاقان ذا الشأن الأفروأسيابى «1» على كيفية قصدهم وإرادتهم، فكلف كسرى ملجأ الإسلام الجنود المسعودين بالركوب، وفى تلك الحالة ظهر جيش روسيا على التل الذى كان على جانب معسكر الهمايون واستراحوا لمدة ساعة على سطح التل نفسه، وبعد ذلك حملوا أيديهم على إطلاق قذائف المدفعية وضغطوا بقدم ثباتهم واستقرارهم فى ميدان المعركة، فأتى ظهور هذا الفعل ثقيل الظل على الطبع السلطانى الغيور، وعلى هذا النحو هاجم جيش ربيب الظفر العدو، فوجه إليه الضربات الشجاعة، فقتل وجرح الكثير فى جيش روسيا عن طريق الحملات الشجاعة لجيش ملجأ النصرة، وعندئذ ولى جيش روسيا مدبرا يائسا ومحبطا من ميدان القتال [ص 118] وفر إلى خنادقه، فتعقبهم أيضا جيش الإسلام، وفتح ساعد الجلادة فى تحطيم العدو، ثم أعطى الخديو صاحب خاتم جمشيد الأمر لجيش جلادة العدة من المشاة والفرسان باستئصال تلك الجماعة، فأحاط جيش أثر القيامة بأطراف وجوانب خنادقهم، ومنع جميع المؤن عن تلك الطائفة، وقتلوا كل من وجدوه فى الذهاب والإياب بالسيف الظالم، وطبقا لفرمان القضاء ابتعدوا لأيام ولياليها عن الراحة والطمأنينة وابتعد جاسوس النوم عن حريم العين، وجلسوا متيقظين ومنتبهين على المراصد والمعابر مستعدين للحرب والقتال، وأغلقوا طرق المرور والعبور على تلك الجماعة، وفى خلال تلك الأحوال كان جمع كثير من الكرجستان وأصحاب المعاملات والتجار من بلدة تفليس مع فوج من روسيا ومعهم أموالهم وبضائعهم الثمينة ومتوجهين إلى ديارهم، وبالقرب من الخندق التقوا فجأة ووضعوا أساس الحرب والمعركة مع حراس الجيش المحارب الذين كانوا تحت قيادة على خان القاجارى وعلى قلى خان شاهسون، فنفذت شظايا البنادق من كلا الطرفين فى فقرات ظهر الأبطال، ووصل إلى أذن المجاهدين رسالة خطية مجاهرة برسالة الأجل، ولما سقط عدة أشخاص من الطرفين على تراب الهلاك، هجم على خان وعلى قلى خان من اليمين ومن اليسار مع الأبطال الذين شعارهم الظفر ، وأسروهم جميعا وأغاروا على أموالهم ودوابهم ونقودهم وبضائعهم، وقيدوا الأسرى من أيديهم وأعناقهم فى المصيدة وأرسلوهم إلى البلاط، فكانت ساحة المعسكر تسمع حسد الروضة بسبب ضوء الوجوه الملائكية للكرجيين والروس، وقد اختار كسرى الموفق من بينهم جمعا من ذوات الشعر الأسود واختصهم ضمن غلمانه الخواص.
Page 153