17

Mā rawāhu Ibn al-Qayyim ʿan Shaykh al-Islām

ما رواه ابن القيم عن شيخ الإسلام

Publisher

دار القاسم

Publication Year

1427 AH

على الحق والهدى فكان في أداة (على) على هذا المعنى ما ليس في أداة (إلى)، فتأمله فإنه سر بديع.

فإن قلت فما الفائدة في ذكر (على) في ذلك أيضًا وكيف يكون المؤمن مستعليًا على الحق وعلى الهدى؟

قلت: لما فيه من استعلائه وعلوه بالحق والهدى مع ثباته عليه واستقامته إليه، فكان في الإتيان بأداة (على) ما يدل على علوه وثبوته واستقامته، وهذا بخلاف الضلال والريب فإنه يؤتى فيه بأداة (في) الدالة على انغماس صاحبه وانقماعه وتدسُّسه فيه كقوله تعالى: ﴿فَهُمْ فِي رَبِّهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: ٤٥] وقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: ٣٩] وقوله: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٤] وقوله ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [هود: ١١٠].

وتأمل قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] فإن طريق الحق تأخذ علوًّا صاعدةً بصاحبها إلى العلي الكبير وطريق الضلال تأخذ سفلاً هاويةً بسالكها في أسفل سافلين.

وفي قوله تعالى: ﴿قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الحجر: ٤١] قول ثالث، وهو قول الكسائي إنه على التهديد والوعيد نظير قوله ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: ١٤] كما يقال طريقك (عليَّ) وممرك (عليّ) لمن تريد إعلامه بأنه غير فائت لك ولا معجز، والسياق يأبى هذا ولا يناسبه لمن تأمله، فإنه قاله مجيبًا لإبليس الذي قال: ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: ٣٩-٤٠] فإنه لا سبيل لي إلى إغوائهم ولا طريق لي عليهم.

فقرر الله - عز وجل - ذلك أتم التقرير، وأخبر أنَّ الإخلاص صراطٌ عليهِ مستقيم، فلا سلطان لك على عبادي الذين هم على هذا الصراط لأنه صراط عليَّ ولا سبيل لإبليس إلى هذا الصراط ولا الحوم حول ساحته فإنه محروس محفوظ بالله فلا يصل عدو الله إلى أهله.

فليتأمل العارف هذا الموضع حق التأمل ولينظر إلى هذا المعنى ويوازن بينه وبين القولين الآخرين أيهما أليق بالآيتين وأقرب إلى مقصود القرآن وأقوال السلف.

وأما تشبيه الكسائي له بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ فلا يخفى الفرق بينهما.

15