Mā rawāhu Ibn al-Qayyim ʿan Shaykh al-Islām

ما رواه ابن القيم عن شيخ الإسلام

Publisher

دار القاسم

Publication Year

1427 AH

مَارَواه ابْن القَيِّمِ

عَن شَيْخِ الإِسْلَامِ

إِبْرَاهِيمِ الْغَامِدِيّ

دَارُ القَاسم

1

رفع

عبد الرحمن النجدي

أسكنه الله الفردوس

1

ما رواه ابن القيم

عن شيخ الإسلام

جمع وترتيب

إبراهيم بن عبد الله الغامدي

دار القاسم للنشر

الرياض ١١٤٤٢ ص.ب ٦٣٧٣

ت/ ٤٠٩٢٠٠٠ فاكس/ ٤٠٣٣١٥٠

1

بسم الله الرحمن الرحيم

دار القاسم للنشر والتوزيع ١٤٢٧ هـ

فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر

الغامدي، إبراهيم عبد الله

ما رواه ابن القيم عن شيخ الإسلام/ إبراهيم عبد الله الغامدي.
الرياض: ١٤٢٧ هـ.
٢٥٠ ص؛ ١٧ × ٢٤ سم.
ردمك: ٧ - ٠٥٠ - ٥٣ - ٩٩٦٠

١ - ابن القيم الجوزية

أ. العنوان
ديوي ٩٢٤٬١
١٤٢٧/٢٣٩٤

رقم الإيداع: ١٤٢٧/٢٣٩٤

ردمك: ٧ - ٠٥٠ - ٥٣ - ٩٩٦٠

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولى ١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦م

الصف والمراجعة والإخراج بدار القاسم

فروع دار القاسم للنشر

جدة - هاتف: ٦٠٢٠٠٠٠ - فاكس: ٦٣٣٣١٩١

الدمام - هاتف: ٨٤٣١٠٠٠ فاكس: ٨٤١٣٠١١
بريدة- هاتف: ٣٢٦٢٨٨٨ - فاكس: ٣٦٩٢٨٨٨
خميس مشيط - هاتف: ٢٢٢٢٢٦١ - فاكس: ٢٢٢٣٠٥٠

www.dar-algassem.com

sales@dar-algassem.com

2

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه .. وبعد:

فقد فكرت منذ زمن في جمع ما رواه الإمام ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمهما الله - وخاصة بعد أن قرأت ما كتبه فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في التشجيع على جمع هذه النقول وإفرادها في كتاب، وقد اجتهد فضيلته وسردَ مواضعَ ذكرِ ابن القيم لشيخه - رحمهما الله - في كتبه المطبوعة(١).

ثم يسّر الله - عز وجل - ورأيت بعضاً من برامج الحاسب الآلي اهتمت بجمع كتب ابن القيم في قرص واحد، ورأيتها فرصة سانحة للبدء في مشروع الجمع والترتيب، خاصة وأنَّ همتي لا ترقى إلى قراءة كتب ابن القيم كلها.

وقد بحثت في الأقراص بعدة طرق واجتهدت في ذلك قدر استطاعتي، ومع ذلك فقد تظهر أخطاء ناتجة عن البرمجة أو النسخ.

ثم جمعت ما تشابه من النقول بعضها مع بعض، ورتبته في أبواب.

ومهما يكن من عدم جدية هذا الجمع فإن له من الفوائد ما لا يخفى، ولكنه لا يغني عن الرجوع إلى الأصول.

أسأل الله - عز وجل - أن ييسِّر لهذا الموضوع من يخدمه أفضل من خدمتي له.

إبراهيم بن عبدالله الغامدي

ص. ب ١١٦٩٦٣ جدة ٢١٣٩١

alghamdii@hotmail.com

(١) فضيلة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد، (التقريب لفقه ابن قيم الجوزية)، القسم الأول، صـ (١٤٠).

3

كتب ابن القيم التي ذكر فيها شيخ الإسلام

١ - اسم الكتاب: أحكام أهل الذمة.

دار النشر: رمادي للنشر - دار ابن حزم. مدينة النشر: الدمام - بيروت.

سنة النشر: ١٤١٨ - ١٩٩٧. رقم الطبعة: الأولى. عدد الأجزاء: ٣.
اسم المحقق: يوسف أحمد البكري - شاكر توفيق العاروري.

٢ - اسم الكتاب: إعلام الموقعين عن رب العالمين.

دار النشر: دار الجيل. مدينة النشر: بيروت. سنة النشر: ١٩٧٣ م.

عدد الأجزاء: ٤. اسم المحقق: طه عبدالرؤوف سعد.

٣ - اسم الكتاب: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان.

دار النشر: دار المعرفة. مدينة النشر: بيروت. سنة النشر: ١٣٩٥ - ١٩٧٥ م.

رقم الطبعة: الثانية. عدد الأجزاء: ٢. اسم المحقق: محمد حامد الفقي.

٤ - اسم الكتاب: اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.

دار النشر: دار الكتب العلمية. مدينة النشر: بيروت.

سنة النشر: ١٤٠٤ - ١٩٨٤ م. رقم الطبعة: الأولى. عدد الأجزاء: ١.

٥ - اسم الكتاب: التبيان في أقسام القرآن.

دار النشر: دار الفكر. عدد الأجزاء: ١.

٦ - اسم الكتاب: كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء والدواء).

دار النشر: دار الكتب العلمية. مدينة النشر: بيروت. عدد الأجزاء: ١.

٧ - اسم الكتاب: الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة.

دار النشر: دار الكتب العلمية. مدينة النشر: بيروت.

سنة النشر: ١٣٩٥ - ١٩٧٥ م. عدد الأجزاء: ١.

4

٨- اسم الكتاب: الصلاة وحكم تاركها وسياق صلاة النبي من حين كان يكبر إلى أن يفرغ منها.

دار النشر: الجفان والجابي - دار ابن حزم.

مدينة النشر: قبرص - بيروت. سنة النشر: ١٤١٦ - ١٩٩٦ م.
رقم الطبعة: الأولى. عدد الأجزاء: ١. اسم المحقق: بسام عبدالوهاب الجابي.

٩- اسم الكتاب: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة.

دار النشر: دار العاصمة. مدينة النشر: الرياض. سنة النشر: ١٤١٨ - ١٩٩٨ م.

رقم الطبعة: الثالثة. عدد الأجزاء: ٤. اسم المحقق: د. علي بن محمد الدخيل الله.

١٠- اسم الكتاب: الطب النبوي.

دار النشر: دار الفكر. مدينة النشر: بيروت. عدد الأجزاء: ١.

اسم المحقق: عبد الغني عبد الخالق.

١١- اسم الكتاب: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.

دار النشر: مطبعة المدني. مدينة النشر: القاهرة. عدد الأجزاء: ١.

اسم المحقق: د. محمد جميل غازي.

١٢- اسم الكتاب: الفروسية.

دار النشر: دار الأندلس. مدينة النشر: السعودية - حائل.

سنة النشر: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م. رقم الطبعة: الأولى. عدد الأجزاء: ١.
اسم المحقق: مشهور بن حسن بن محمود بن سلمان.

١٣- اسم الكتاب: الفوائد.

دار النشر: دار الكتب العلمية. مدينة النشر: بيروت.

سنة النشر: ١٣٩٣ - ١٩٧٣ م. رقم الطبعة: الثانية. عدد الأجزاء: ١.

١٤- اسم الكتاب: المنار المنيف في الصحيح والضعيف.

دار النشر: مكتب المطبوعات الإسلامية. مدينة النشر: حلب.

سنة النشر: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م. رقم الطبعة: الثانية. عدد الأجزاء: ١.

5

اسم المحقق: عبدالفتاح أبو غدة.

١٥ - اسم الكتاب: الوابل الصيب من الكلم الطيب.

دار النشر: دار الكتاب العربي. مدينة النشر: بيروت.

سنة النشر: ١٤٠٥ - ١٩٨٥ م. رقم الطبعة: الأولى. عدد الأجزاء: ١.
اسم المحقق: محمد عبدالرحمن عوض.

١٦ - اسم الكتاب: بدائع الفوائد.

دار النشر: مكتبة نزار مصطفى الباز. مدينة النشر: مكة المكرمة.

سنة النشر: ١٤١٦ - ١٩٩٦م. رقم الطبعة: الأولى. عدد الأجزاء: ٤.
اسم المحقق: هشام عبدالعزيز عطا - عادل عبدالحميد العدوي - أشرف أحمد الج.

١٧ - اسم الكتاب: تحفة المودود بأحكام المولود.

دار النشر: مكتبة دار البيان. مدينة النشر: دمشق. سنة النشر: ١٣٩١ - ١٩٧١ م.

رقم الطبعة: الأولى. عدد الأجزاء: ١. اسم المحقق: عبدالقادر الأرناؤوط.

١٨ - اسم الكتاب: جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام.

دار النشر: دار العروبة. مدينة النشر: الكويت. سنة النشر: ١٤٠٧ - ١٩٨٧ م.

رقم الطبعة: الثانية. عدد الأجزاء: ١. اسم المحقق: شعيب الأرناؤوط - عبدالقادر الأرناؤوط.

١٩ - اسم الكتاب: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.

دار النشر: دار الكتب العلمية. مدينة النشر: بيروت. عدد الأجزاء: ١.

٢٠ - اسم الكتاب: حاشية ابن القيم على سنن أبي داود.

دار النشر: دار الكتب العلمية. مدينة النشر: بيروت. سنة النشر: ١٤١٥ هـ.

رقم الطبعة: الثانية. عدد الأجزاء: ١٠.

٢١ - اسم الكتاب: روضة المحبين ونزهة المشتاقين.

دار النشر: دار الكتب العلمية. مدينة النشر: بيروت.

سنة النشر: ١٤١٢ - ١٩٩٢ م.
عدد الأجزاء: ١.

6

٢٢- اسم الكتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد

دار النشر: مؤسسة الرسالة - مكتبة المنار الإسلامية.

مدينة النشر: بيروت - الكويت. سنة النشر: ١٤٠٧ - ١٩٨٦ م
رقم الطبعة: الرابعة عشر. عدد الأجزاء: ٥
اسم المحقق: شعيب الأرناؤوط - عبدالقادر الأرناؤوط.

٢٣- اسم الكتاب: الرسالة التبوكية زاد المهاجر إلى ربه.

دار النشر: مكتبة المدني. مدينة النشر: جدة. عدد الأجزاء: ١

اسم المحقق: د. محمد جميل غازي.

٢٤- اسم الكتاب: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم.

دار النشر: المكتب الإسلامي. مدينة النشر: بيروت. سنة النشر: ١٤٠٦ هـ

رقم الطبعة: الثالثة. عدد الأجزاء: ١. اسم المحقق: زهير الشاويش.

٢٥- اسم الكتاب: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.

دار النشر: دار الفكر. مدينة النشر: بيروت. سنة النشر: ١٣٩٨ - ١٩٧٨ م.

عدد الأجزاء: ١. اسم المحقق: محمد بدر الدين أبو فراس النعساني الحلبي.

٢٦- اسم الكتاب: جواب في صيغ الحمد.

دار النشر: دار العاصمة. مدينة النشر: الرياض. سنة النشر: ١٤١٥ هـ.

رقم الطبعة: الأولى. عدد الأجزاء: ١. اسم المحقق: محمد بن إبراهيم السعران.

٢٧- اسم الكتاب: طريق الهجرتين وباب السعادتين.

دار النشر: دار ابن القيم. مدينة النشر: الدمام. سنة النشر: ١٤١٤ - ١٩٩٤ م.

رقم الطبعة: الثانية. عدد الأجزاء: ١. اسم المحقق: عمر بن محمود أبو عمر.

٢٨- اسم الكتاب: إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان.

دار النشر: المكتب الإسلامي - مكتب فرقد الخاني.

مدينة النشر: بيروت - الرياض. سنة النشر: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م.
رقم الطبعة: الأولى. عدد الأجزاء: ١
اسم المحقق: محمد عفيفي.

7

٢٩ - اسم الكتاب: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين.

دار النشر: دار الكتب العلمية. مدينة النشر: بيروت. عدد الأجزاء: ١

اسم المحقق: زكريا علي يوسف.

٣٠ - اسم الكتاب: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية.

دار النشر: المكتب الإسلامي. مدينة النشر: بيروت.

سنة النشر: ١٤٠٦ - ١٩٨٦م. رقم الطبعة: الثالثة.

عدد الأجزاء: ٢

اسم المحقق: زهير الشاويش.

٣١ - اسم الكتاب: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.

دار النشر: دار الكتاب العربي. مدينة النشر: بيروت.

سنة النشر: ١٣٩٣ - ١٩٧٣م. رقم الطبعة: الثانية. عدد الأجزاء: ٣.

اسم المحقق: محمد حامد الفقي.

٣٢ - اسم الكتاب: مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة.

دار النشر: دار الكتب العلمية. مدينة النشر: بيروت. عدد الأجزاء: ٢

٣٣ - اسم الكتاب: نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول.

دار النشر: دار القادري. مدينة النشر: بيروت.

سنة النشر: ١٤١١ - ١٩٩٠م.

رقم الطبعة: الأولى. عدد الأجزاء: ١.

اسم المحقق: حسن السماعي سويدان.

٣٤ - اسم الكتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى.

دار النشر: الجامعة الإسلامية. مدينة النشر: المدينة المنورة.

عدد الأجزاء: ١

8

رفع

عبد الرحمن النجدي

أسكنه الله الفردوس

أولاً:

باب

التفسير

9

-

10

١- معنى شهادة المرأة في [الآية ٢٨٢ من سورة البقرة]:

قال ابن القيم - رحمه الله -:

قال شيخنا ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:

قوله تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢].

فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإِذكار إحداهما الأخرى إذا ضلَّت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي ﷺ حيث قال: (وأما نقصان عقلهن فشهادة امرأتين بشهادة رجل) فبيَّن أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين فعلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال وإنما عقلها ينقص عنه، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة لم تكن فيه على نصف رجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات إنما هي أشياء تراها بعينها أو تلمسها بيدها أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل كالولادة والاستهلال والارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة ولا تحتاج معرفته إلى إعمال عقل كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدّين وغيره، فإن هذه معان معقولة ويطول العهد بها في الجملة . [الطرق الحكمية ٢٢١/١]

٢ - معنى قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾:

قال ابن القيم - رحمه الله -:

وعبر لي شيخنا أبو العباس ابن تيمية - قدس الله روحه -عن هذا المعنى بعبارة لطيفة وجيزة، فقال: المعنى سبِّح ناطقاً باسم ربك متكلماً به، وكذا ﴿ سبّحِ اسْم رَبَكَ ﴾ [الأعلی: ١] المعنی سبح ربك ذاكرًا اسمه. [بدائع الفوائد ٢٤/١]

٣- الأرض الجرز:

قال ابن القيم - رحمه الله -:

﴿نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ [السجدة: ٢٧] هي أرض لا يأتيها المطر إنما يساق إليها الماء، وقد مررت بها بليل.

قلت وكان شيخنا أبو العباس أحمد بن تيمية يقول: هي أرض مصر وهي أرض

11

إيليز لا ينفعها المطر فلو أمطرت مطر العادة لم ينفعها ولم يروها ولو داوم عليها المطر لهدم البيوت وقطع المعايش فأمطر الله بلاد الحبشة والنوبة ثم ساق الماء إليها. يقول ابن القيم: وعندي أن الآية عامة في الماء الذي يسوقه الله على متون الرياح في السحاب وفي الماء الذي يسوقه وجه الأرض. فمن قال هي مصر إنما أراد التمثيل لا التخصيص. [بدائع الفوائد ٦٢٥/٣]

٤- من أنزلت عليه السكينة:

قال ابن القيم - رحمه الله -:

﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ [التوبة: ٤٠] قال أبو بكر: وكان النبي ﷺ قد أنزلت عليه السكينة.

قلت: وكان شيخنا أبو العباس بن تيمية - قدس الله روحه - يذهب إلى خلاف هذا ويقول: الضمير عائد إلى النبي ﷺ أصلاً وإلى صاحبه تبعاً له فهو الذي أنزلت عليه السكينة وهو الذي أيده الله بالجنود وسرى ذلك إلى صاحبه انتهى. [بدائع الفوائد ٦٢٩/٣]

٥- معنى: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾:

قال ابن القيم - رحمه الله -:

وسئل (١) عن قوله تعالى: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ [النساء: ١٥٥، البقرة: ٨٨] قال أوعية.

قلت هذا أحد القولين والقول الثاني وهو أرجح غلف أي في غشاوة لا نفقه عنك ما تقول، نظيره قوله: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: ٥].

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يضعف قول من قال أوعية جدا.

وقال إنما هي جمع أغلف، ويقال للقلب الذي في الغشاء أغلف وجمعه غلف كما يقال للرجل غير المختون أقلف وجمعه قلف. [بدائع الفوائد ٦٣٣/٣]

٦- المقصود بالحجة في كتاب الله:

قال ابن القيم - رحمه الله -:

وقوله إن الاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] منقطع قد قاله أكثر الناس، ووجهه أن الظالم لا حجة له فاستثناؤه مما ذكر قبله منقطع.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ليس الاستثناء بمنقطع بل هو متصل على

(١) أبو عبد الله.

12

بابه، وإنما أوجب لهم أن حكموا بانقطاعه حيث ظنوا أن الحجة ههنا المراد بها الحجة الصحيحة الحق، والحجة في كتاب الله يراد بها نوعان:

أحدهما: الحجة الحق الصحيحة كقوله: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ [الأنعام: ٨٣] وقوله: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾ [الأنعام: ١٤٩] ويراد بها مطلق الاحتجاج بحق أو بباطلٍ كقوله: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ٢٠] وقوله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجاثية: ٢٥] وقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٥٨] وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ١٦] وإذا كانت الحجة اسماً لما يحتج به من الحق أو الباطل صح استثناء حجة الظالمين من قوله ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ [البقرة: ١٥٠] وهذا في غاية التحقيق، والمعنى أن الظالمين يحتجون عليك بالحجة الباطلة الداحضة ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ [البقرة: ١٥٠].

ومن ذلك قوله تعالى ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٠]، فهذه مناظرة حكاها الله بين المسلمين والكفار، فإن الكفار لجأوا إلى تقليد الآباء وظنوا أنه منجيهم لإحسانهم ظنَّهم بهم، فحكم الله بينهم بقوله ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ وفي موضع آخر ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [لقمان: ٢١] وفي موضع آخر ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ﴾ [الزخرف: ٢٤] فأخبر عن بطلان هذه الحجة وأنها لا تنجي من عذاب الله تعالى، لأنها تقليد من ليس عنده علم ولا هدى من الله والمعنى: ولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير يقلدونهم، ولو كانوا لا علم عندهم ولا هدى يقلدونهم أيضاً، وهذا شأن من لا غرض له في الهدى ولا في اتباع الحق، إن غرضه بالتقليد إلا دفع الحق والحجة إذا لزمته، لأنه لو كان مقصوده الحق، لاتبعه إذا ظهر له وقد جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم فلو كنتم ممن يتبع الحق لاتبعتم ما جئتكم به فأنتم لم تقلدوا الآباء لكونهم على حق فقد جئتكم بأهدى مما وجدتموهم عليه وإنما جعلتم تقليدهم جنة لكم تدفعون بها الحق الذي جئتكم به. [بدائع الفوائد ٩٧٩/٤]

13

٧- معنى قوله تعالى: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾

قال ابن القيم - رحمه الله -:

قال الله تعالى: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الحجر: ٤١] قال الحسن: معناه صراط إليَّ مستقيم، وهذا يحتمل أمرين:

أن يكون أراد به أنه من باب إقامة الأدوات بعضها مقام بعض، فقامت أداة (على) مقام (إلى).

والثاني أنه أراد التفسير على المعنى، وهو الأشبه بطريق السلف، أي صراط موصل إلي.

وقال مجاهد: الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه، لا يعرج على شيء، وهذا مثل قول الحسن وأبين منه، وهو من أصح ما قيل في الآية وقيل: (علي) فيه للوجوب أي عليَّ بيانه وتعريفه والدلالة عليه. والقولان نظير القولين في آية النحل وهي ﴿وعلى الله قصد السبيل﴾ والصحيح فيها كالصحيح في آية الحجر أن السبيل القاصد وهو المستقيم المعتدل يرجع إلى الله ويوصل إليه، قال طفيل الغنوي:

مضوا سلفاً قصد السبيل عليهم وصرفُ المنايا بالرجال تشقلب

أي مرنا عليهم وإليهم وصولنا، وقال الآخر:

فهنَّ المنايا، أيَّ واد سلكته عليها طريقي أو عليَّ طريقها

فإن قيل: لو أريد هذا المعنى لكان الأليق به أداة (إلى) التي هي للانتهاء لا أداة (على) التي هي للوجوب ألا ترى أنه لما أراد الوصول قال ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية: ٢٥ -٢٦] وقال ﴿إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ [يونس: ٧٠] وقال ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٨]، وقال لما أراد الوجوب ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾، وقال ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ [القيامة: ١٧] وقال ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: ٦] ونظائر ذلك.

قيل في أداة (على) سرٌّ لطيف، وهو الإِشعار بكون السالك على هذا الصراط على هدى، وهو حق كما قال في حق المؤمنين ﴿ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ﴾، وقال لرسوله ﷺ ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ [النمل: ٧٩].

والله-عز وجل - هو الحق وصراطه حق و دينه حق، فمن استقام على صراطه فهو

14

على الحق والهدى فكان في أداة (على) على هذا المعنى ما ليس في أداة (إلى)، فتأمله فإنه سر بديع.

فإن قلت فما الفائدة في ذكر (على) في ذلك أيضًا وكيف يكون المؤمن مستعليًا على الحق وعلى الهدى؟

قلت: لما فيه من استعلائه وعلوه بالحق والهدى مع ثباته عليه واستقامته إليه، فكان في الإتيان بأداة (على) ما يدل على علوه وثبوته واستقامته، وهذا بخلاف الضلال والريب فإنه يؤتى فيه بأداة (في) الدالة على انغماس صاحبه وانقماعه وتدسُّسه فيه كقوله تعالى: ﴿فَهُمْ فِي رَبِّهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: ٤٥] وقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: ٣٩] وقوله: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٤] وقوله ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [هود: ١١٠].

وتأمل قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] فإن طريق الحق تأخذ علوًّا صاعدةً بصاحبها إلى العلي الكبير وطريق الضلال تأخذ سفلاً هاويةً بسالكها في أسفل سافلين.

وفي قوله تعالى: ﴿قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الحجر: ٤١] قول ثالث، وهو قول الكسائي إنه على التهديد والوعيد نظير قوله ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: ١٤] كما يقال طريقك (عليَّ) وممرك (عليّ) لمن تريد إعلامه بأنه غير فائت لك ولا معجز، والسياق يأبى هذا ولا يناسبه لمن تأمله، فإنه قاله مجيبًا لإبليس الذي قال: ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: ٣٩-٤٠] فإنه لا سبيل لي إلى إغوائهم ولا طريق لي عليهم.

فقرر الله - عز وجل - ذلك أتم التقرير، وأخبر أنَّ الإخلاص صراطٌ عليهِ مستقيم، فلا سلطان لك على عبادي الذين هم على هذا الصراط لأنه صراط عليَّ ولا سبيل لإبليس إلى هذا الصراط ولا الحوم حول ساحته فإنه محروس محفوظ بالله فلا يصل عدو الله إلى أهله.

فليتأمل العارف هذا الموضع حق التأمل ولينظر إلى هذا المعنى ويوازن بينه وبين القولين الآخرين أيهما أليق بالآيتين وأقرب إلى مقصود القرآن وأقوال السلف.

وأما تشبيه الكسائي له بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ فلا يخفى الفرق بينهما.

15

سياقاً ودلالةً، فتأمله ولا يقال في التهديد هذا طريق مستقيم عليّ لمن لا يسلكه، وليست سبيل المهدد مستقيمة فهو غير مهدد بصراط الله المستقيم وسبيله التي هو عليها ليست مستقيمة على الله، فلا يستقيم هذا القول ألبتة.

وأما من فسره بالوجوب، أي عليَّ بيان استقامته والدلالة عليه فالمعنى صحيح، لكن في كونه هو المراد بالآية نظر لأنه حذف في غير موضع الدلالة ولم يؤلف الحذف المذكور ليكون مدلولاً عليه إذا حذف، بخلاف عامل الظرف إذا وقعٍ صفة فإنه حذف مألوف معروف حتى إنه لا يذكر ألبتة، فإذا قلت له: (درهم (علي) كان الحذف معروفاً مألوفاً، فلو أردتِ (عليَّ نقده) أو (عليَّ وزنه وحفظه) ونحو ذلك وحذفت لم يسخ وٍهو نظير (عليَّ بيانه) المقدر في الآية، مع أن الذي قاله السلف أليق بالسياق وأجلّ المعنيين وأكبرهما.

وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية - رضي الله عنه - يقول: وهما نظير قوله تعالى ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَّلْهُدَى (١٢) وَإِنَّ لَنَا لَلَآخِرَةَ وَالأُولَى (١٣)﴾ [الليل: ١٣].

قال: فهذه ثلاثة مواضع في القرآن في هذا المعنى.

قلت: وأكثر المفسرين لم يذكر في سورة ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [الليل: ١] إلا معنى " الوجوب أي علينا بيان الهدى من الضلال، ومنهم من لم يذكر في سورة النحل إلا هذا المعنى كالبغوي وذكر في الحجر الأقوال الثلاثة وذكر الواحدي في بسيطه المعنيين في سورة النحل.

واختار شيخنا قول مجاهد والحسن في السور الثلاث. [مدارج السالكين/ ١٥١]

٨- معنى الاستقامة:

قال ابن القيم - رحمه الله -:

وقال تعالى: ﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لِأَسْقَيْنَاهُم مَّاءٌ غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦]، سُئل صديق الأمة وأعظمها استقامةً أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عن الاستقامة فقال: (أن لا تشرك بالله شيئا) يريد الاستقامة على محض التوحيد.

وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب).

وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: (استقاموا: أخلصوا العمل لله).

16

وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وابن عباس - رضي الله عنهما -: (استقاموا أدّوا الفرائض) وقال الحسن: (استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته). وقال مجاهد: (استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله). وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول: استقاموا على محبته وعبوديته فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة. [مدارج السالكين ٢/ ١٠٤]

٩- معنى قوله تعالى: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾.

قال ابن القيم - رحمه الله -:

وجرت عادة القوم: أن يذكروا في هذا المقام قوله تعالى عن نبيه ﷺ حين أراه ما أراه: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ [النجم: ١٧].

وأبو القاسم القشيري صدّر باب الأدب بهذه الآية وكذلك غيره.

وكأنهم نظروا إلى قول من قال من أهل التفسير: إن هذا وصف لأدبه ﷺ في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانباً ولا تجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب. والإِخلال به : أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله أو يتطلع أمام المنظور، فالالتفات زيغ، والتطلع إلى ما أمام المنظور: طغيان ومجاوزة، فكمال إقبال الناظر على المنظور: أن لا يصرف بصره عنه يمنة ولا يسرة ولا يتجاوزه.

هذا معنى ما حصلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه ..

[مدارج السالكين ٣٨٢/٢]

١٠- الأمر بأخذ الزينة في الصلاة:

قال ابن القيم - رحمه الله -:

والأدب هو الدين كله فإن ستر العورة من الأدب، والوضوء وغسل الجنابة من الأدب، والتطهر من الخبث من الأدب حتى يقف بين يدي الله طاهراً ولهذا كانوا يستحبون أن يتجمل الرجل فى صلاته للوقوف بين يدي ربه.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: أمر الله بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة وهو أخذ الزينة، فقال تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١] فعلق الأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة، إيذاناً بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة. [مدارج السالكين ٣٨٤/٢]

17

١١ - معنى قوله تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾:

قال ابن القيم - رحمه الله -:

قوله تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٩].

قال (١): والصحيح في الآية أن المراد به: الصحف التي بأيدي الملائكة، لوجوه عديدة منها: أنه وصفه بأنه مكنون والمكنون المستور عن العيون، وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة.

ومنها: أنه قال: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ وهم الملائكة، ولو أراد المتوضئين لقال: لا يمسه إلا المتطهّرون، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فالملائكة مطهرون والمؤمنون متطهرون.

ومنها: أن هذا إخبار ولو كان نهياً لقال: لا يمسسه بالجزم، والأصل في الخبر: أن يكون خبراً صورة ومعنى.

ومنها: أن هذا رد على من قال: إن الشيطان جاء بهذا القرآن، فأخبر تعالى: أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين ولا وصول لها إليه، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [الشعراء: ٢١٠ -٢١١] وإنما تناله الأرواح المطهرة وهم الملائكة.

ومنها: أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: ١٢ -١٦].

قال مالك في موطئه: أحسنُ ما سمعت في تفسير قوله: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ أنها مثل هذه الآية التي في سورة عبس.

ومنها: أن الآية مكية من سورة مكية تتضمن تقرير التوحيد والنبوة والمعاد وإثبات الصانع والرد على الكفار، وهذا المعنى أليق بالمقصود من فرع عملي وهو حكم مس المحدث المصحف.

ومنها: أنه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي الناس: لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة إذ من المعلوم: أن كل كلام فهو قابل لأن يكون في كتاب حقاً أو باطلاً، بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن

(١) شيخ الإسلام ابن تيمية.

18