15

Mā rawāhu Ibn al-Qayyim ʿan Shaykh al-Islām

ما رواه ابن القيم عن شيخ الإسلام

Publisher

دار القاسم

Publication Year

1427 AH

بابه، وإنما أوجب لهم أن حكموا بانقطاعه حيث ظنوا أن الحجة ههنا المراد بها الحجة الصحيحة الحق، والحجة في كتاب الله يراد بها نوعان:

أحدهما: الحجة الحق الصحيحة كقوله: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ [الأنعام: ٨٣] وقوله: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾ [الأنعام: ١٤٩] ويراد بها مطلق الاحتجاج بحق أو بباطلٍ كقوله: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ٢٠] وقوله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجاثية: ٢٥] وقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٥٨] وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ١٦] وإذا كانت الحجة اسماً لما يحتج به من الحق أو الباطل صح استثناء حجة الظالمين من قوله ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ [البقرة: ١٥٠] وهذا في غاية التحقيق، والمعنى أن الظالمين يحتجون عليك بالحجة الباطلة الداحضة ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ [البقرة: ١٥٠].

ومن ذلك قوله تعالى ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٠]، فهذه مناظرة حكاها الله بين المسلمين والكفار، فإن الكفار لجأوا إلى تقليد الآباء وظنوا أنه منجيهم لإحسانهم ظنَّهم بهم، فحكم الله بينهم بقوله ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ وفي موضع آخر ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [لقمان: ٢١] وفي موضع آخر ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ﴾ [الزخرف: ٢٤] فأخبر عن بطلان هذه الحجة وأنها لا تنجي من عذاب الله تعالى، لأنها تقليد من ليس عنده علم ولا هدى من الله والمعنى: ولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير يقلدونهم، ولو كانوا لا علم عندهم ولا هدى يقلدونهم أيضاً، وهذا شأن من لا غرض له في الهدى ولا في اتباع الحق، إن غرضه بالتقليد إلا دفع الحق والحجة إذا لزمته، لأنه لو كان مقصوده الحق، لاتبعه إذا ظهر له وقد جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم فلو كنتم ممن يتبع الحق لاتبعتم ما جئتكم به فأنتم لم تقلدوا الآباء لكونهم على حق فقد جئتكم بأهدى مما وجدتموهم عليه وإنما جعلتم تقليدهم جنة لكم تدفعون بها الحق الذي جئتكم به. [بدائع الفوائد ٩٧٩/٤]

13