حكى أن المأمون وجه رجلا من دعاته إلى مدينة السلام ، وأمره بلقاء عبد الملك بن صالح العباسى ، وقال له المأمون : إنك ستلقي من عبد الملك رجلا عيد الغور ، دقيق الفطنة ، سديد الحكم ، رقيق اللسان ، حسن التأنى ، فاحذره . فإنه يكثر المباحثة ويحسن المساءلة ، ويحتال لاستخراج ما فى ضميرك ، يعتبر عليك باختلاف ألفاظك . فلا تره الاسترسال فيتهمك ، ولا الاحتراس منه فيحذرك . وعليك باستعمال الغفلة إلى انتهاز الفرصة . فباحثه مباحثة الآمن، واحترس منه احتراس الخائف . واعلم أن البحث الخفى يجلو الأمر ، والتعبير بكشف ما في الضمير . واحذر من تعرف ، ولا تصحب من لا تعرف .
رحكى أن رجلا ولى اليمن من بنى هاشم . فأقام بها مدة وبلغ منها ما أراد . ثم ورد عليه كتاب وكيله من باب السلطان يعلمه أنه قد عزل عن البلد ، وأن الكتب يذلك قد أنشئت إليه . وكان من (سنة) أهل اليمن ، إذا عزل عنهم وال انتهبوا ماله ، فإن مانعهم قتلوه . فلما بلغ الهاشمى عزله ، كتب كتابا على لسان السلطان إليه يامره باستئناف سنته ويحمد مذهبه ، ثم دسه حتى أتاه را كب كأنه ورد من باب السلطان . فجمع أهل البلد فقرآه عليهم .
لم خرج يوما إلى الصيد ، فأبطأ إلى الظهر تم رجع ، وجعل يخفى ماله يودع ذخائره . ثم خرج يوما ثانيا إلى الصيد ، فأبطأ إلى الليل ثم رجع ، حتى أحكم أمره . ثم خرج في الليل إلى الصيد ، وخرج بحرمه (1) معه ، مم جعله وجهه . فلم ينكر أهل البلد إبطاءه حتى بات ليلته . فلما كان من الغد فافتقدوه ، خرجوا في طلبه فلقيهم من خبرهم أنه رآه هاربا فانصرفوا .
Page 180