مقدمة المؤلف
بين
فسواله النزالحرين
حمد الله واجب قبل كل كلام ، ومنحة العقل فوق كل إنعام ، وما بعد كتب الله المنزلة على أنبيائه صلوات الله عليهم ، وبعد جوامع كلمهم ، أشرف من ثمرات العقول التى يرثها الآخر عن الأول ، ويستند بها في الدين إلى المعلوم الأفضل ، ويتسم بها للدنيا صهوة الأمر (المعضل)(11) ، عند سياسة العباد وعمارة البلاد .
فمد الوادى من سيل التلاعات(2) ، وفيض الأنهار من سبل(12 القطرات . وإن كان فى الناس من يؤيده الله من صواب الرأى مما يغنيه عن استمداد ، ويوفقه حتى لا يحتاج فى قراع الخطوب إلى استعداد . فتكانر الأنوار على المبهمات انفع ، ولظلام الشبه ادفع . والله يهدى فلوب أوليائه ويشحذ بصائرهم على أعدائه يمنه.
وهذا المجموع اثنان وثلاثون بابا ، مختومة بباب في ضروب مختلفة .
Page 1
6
الببات الاول
ش
1
أوائلما تحتاج الملولثاليمعرفنه
ليقال إن المأمون جمع يوبا ولده فقال : يا بني ليعلم الكبير منكم أنه إنما عظم قدره بصغار عظموه ، وقويت قوته بضعاف آطاعوه ، وشرفت ميزلته بعوام اتضعوا له . فلا يدعو نه تفخيمالمفخممنهم إياه إلى تصغيره ، وتعزيزه أمره إلىتذليله. ولا يستأثرن بفائدة ورفق (1 دويه . ولا يولعن بتسميته عبدا كماسمت الأعاجم ، بل ولئيا وآخا . فإن الشيء الذى قوامه من أجراء خسيسة ومعان مذمومة ، فهو أيضا خسيس مذموم . وكل امرئ من أولئك جزء من عدة أجزائه ، وعماد من أعمدة أمره . فإذا انحلت أجراؤه وزالت دعائمه ، مال العماد وتهدم الكل . وقد قيل إن من ملك أحرارا طائعين كان أشرف ممن ملك عبيدا مستكرهين . واعلموا أن قلوب الرعية خزائن ملكها ، فما أودعها فليعلم أنه فيها(3) .
وقال يوما آخر لهم : ارجعوا فيما اشتبه عليكم من التدبير إلى رأى
Page 2
الحر .ة(1) المجربين والبررة المشفقين . فإنهم مرائيكم (7) ي. ونكم ما لاترون ، ويكشفون لكم أغطية ما لا تعلمون . فقد صحبوا لكم الدهور ، ومارسوا الدول36 ، وكفوكم التجارب والعبر . وعرفوا حوادث الأزمنة وأعراضها وإقبالها وإدبارها ، والعلل التى يسكن بها الهائج المضطرب ويهتاج لها الساكن المطمئن . فروضوا أنفسكم لهم ، وبجرعوا مرارتهم . فقد قيل إن من ج عك مرا لتبرأ أشفق عليك ممن أوجرك(3) حلوا لتسقم ، ومن خوفك لتأمن ، أير، ممن أممك حتى تخاف .
وقد قيل: إن نصف عقلك مع المستشار ، واعتبروا فى علو الهمة يمن برون من وزرائى وخاصتى . إنهم والله ما بلغوا مراتبهم عندى إلا بأنفسهم . إنه من تبع منكم صغار الأمور تبعه التصغير والتحقير ، وكان قليل ما يفعل في كبارها أ كثر من كثير 12 ما يستدرك من الصغار . فترفموا عن دناءة الهمة ، وتفرغوا لجلائل التدبير . واستكفوا (7) الثقات فادنوها . وكونوا مثل كرام السباع ، لا تشتغل بغوامض الوحش10
والطير وحواشيها بل بجليلها
Page 3
وكبارها . واعلموا أن أقدامكم إن لم تنقدم بكم فأيديكم لا تمد بكم . ولا يغنى الولى (1) عنكم شيئا ما لم تعطوه حقه من الصيانة والمادة .
وقال يزرجمهر (2) : عاملوا أحرار الناس تمحض المودة ، وعاملوا العامة بالرغبة والرهبة ، وسوسوا السفلة بالمخافة صراحا .
وكان أرشطاليس(3) أدب الإسكندر ، فلما نشأ واستفحل أمره وكبر شأنه وعرفه من الحكمة ما عرفه ، كان شبه الوزير له ، يعتمد عليه في الرأى والمشورة . فكتب إليه يخبره أنه قد كثر (فى) خواصه وعسكره قوم ليس يأمهم على نفسه ولما يرى من بعد هممهم وشجاعهم وشدة دالتهم ، وليس فرى لهم عقولا تفى بهذه الفضائل (التى فيهم) بقدر هممهم . فكتب إليه أرشطاطاليس : فهمت ما وصفته عن القوم الذين ذكرت . فأما بعد هممهم ، فمن الوفاء بعد الهمة ، وأما ما ذكرته من شجاعتهم مع نقص عقولهم ، فمن كانت هذه حاله فرفهه فى المعيشة واخصصه بحسان النساء . فإن رفاهة العيش توهى من العزم ، وإن حب النساء يحبب(5) السلامة ويباعد من ركوب المخاطرة .
Page 4
وليكن خلقك حسنا تستدع به صفو النيات وإخلاص المقامات (1) . ولا تتناول من لذيذ العيش ما لا ممكن أوسط أصحابك مثله . فليس مع الاستئثار محبة ولامع المؤاساة بغضة . واعلم أن المملوك إذا اشترى لم يسأل عن مالمولاه ، وإنما يسأل من خلته()
وكانت الفرس تقول : للوزير على الملك ، وللكاتب على الصاحب ، ثلاث (3) : رفع الحجاب عنه ، واتهام الوشاة عليه ، وإفشاء السر إليه .
وحكى أن سابور(4) الملك، استشار وزيرين كانا له في أمر من أموره ، فقال له أحدهما : لا ينبغى للملك أن يستشير منا أحدا إلا خاليا يه ، فإنه أموت للسر وأحزم فى الرأى ، وأدعى إلى السلامة ، وأعفى لبعضنا عن غائلة بعض . لأن الواحد رهن بما أفشى إليه وهو أحرى أن لايظهره ، رهبة للملك ورغبة إليه . وإذا كان عند اثنين فظهر دخلت على الملك الشبهة واتسعت
Page 5