227

Lessons by Sheikh Al-Albani

دروس للشيخ الألباني

Genres

كيفية التوفيق بين العبادة وطلب الرزق ثم ذكر الله ﷿ بعد الحكمة التي بينها قوله ﵎: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات:٥٧-٥٨] . لماذا ذكر ربنا ﷿: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ﴾ [الذاريات:٥٧]؟ أي: لكي لا يهتم المسلم برزقه اهتمامه بعبادة ربه، أي: يجب عليه أن يهتم بما من أجله خلق، وليس أن يهتم بالرزق؛ لأن الرزق قد تكفله الله ﷿ لعباده وقدره منذ أن كان جنينًا في بطن أمه، كما تعلمون من الأحاديث الصحيحة، التي جاء فيها أن النبي ﵌ ذكر أن الله ﵎ يرسل ملكًا إلى الجنين وهو في بطن أمه، فينفخ فيه الروح بعد أن جاوز الأربعة الأشهر، ويسأل ربه عن عمره، وعن رزقه، وعن أجله، وعن سعادته أو شقاوته، كل هذا قد سجل، كما جاء في قوله ﵎ على قولٍ من أقوال المفسرين في قوله ﷿: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات:٢٢] فالله ﷿ قد قدر الرزق منذ القديم، ولذلك فلا ينبغي للمسلم أن يهتم برزقه -وأرجو الانتباه! - لا أقول: ألا يهتم بالسعي وراء رزقه، لا. وإنما أعني وأصرح فأقول: لا ينبغي أن يهتم المسلم بتحصيل رزقه بقدر ما يهتم بعبادة ربه ﵎؛ لأن الرزق مقطوعٌ مضمون، وإن كان هذا الكلام لا نعني به ألا يسعى المسلم وراء رزقه، لكن إنما نعني ألا يجعل الغاية من حياته هو أن يسعى وراء رزقه؛ لأن الغاية -كما علمتم- إنما هي عبادة الله وحده لا شريك. ولكي لا يتبادر إلى ذهن أحدٍ -حينما نلفت النظر إلى الاهتمام بتحقيق الغاية الشرعية التي من أجلها خلق الله ﷿ الإنس والجن- لكي لا يتبادر إلى ذهن أحدٍ أننا نأمر بما يظنه بعض الناس أنه توكل على الله حينما لا يسعى وراء الرزق، فأقول: ليس الإعراض عن السعي وراء الرزق توكلًا على الله ﵎؛ وإنما هو تواكل واعتمادٌ على العبد أو على العبيد الذين لا ينبغي أن يعتمد المسلم في تحصيله لرزقه على غير ربه ﵎؛ ذلك لأن السعي وراء الرزق بالحد المطلوب شرعًا، وبقدر ألا يبالغ في طلب الرزق، ومن المبالغة في طلب الرزق ما سأدندن حوله، وهو أن يطلب الرزق من أي طريقٍ كان، لا يهمه أجاءه الرزق بسببٍ حرامٍ أو حلالٍ، فالذي نريده أن السعي وراء تحصيل الرزق بالوسائل المشروعة، وبالقدر المشروع الذي لا يجعله غايته من حياته كما ألمحت إلى ذلك آنفًا، هذا السعي وراء الرزق يعتبره الشارع الحكيم من الجهاد في سبيل الله ﷿. فقد جاء في الحديث الصحيح: (أن النبي ﵌ كان جالسًا يومًا وحوله أصحابه، حينما مر رجلٌ شابٌ جلدٌ قويٌ عليه آثار النشاط والشباب، فقال أحد الحاضرين: لو كان هذا في سبيل الله) أي: لو كانت هذه الفتوة وهذا الشباب والقوة في سبيل الله ﷿، يتمنى أحد الحاضرين أن يكون هذا الشاب المار بهذه القوة والفتوة يجاهد في سبيل الله ﷿، فقال ﵌ ملفتًا نظر من حوله أولًا، ثم من سيبلغهم هذا الحديث ثانيًا، إلى أن السعي وراء الرزق -كما قلت آنفًا- هو من الجهاد في سبيل الله ﷿، حيث قال ﵌ مجيبًا ذلك الصحابي الذي تمنى أن يكون شباب ذلك الرجل المار وقوته في سبيل الله ﷿، قال ﵊: (إن كان هذا خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أهله وأولاده الصغار فهو في سبيل الله) . إذًا: السعي وراء الرزق هو من الأمور المرغوب فيها، والتي حظ الشارع الحكيم عليها، ولكن على اعتبار أنها وسيلة وليست غاية المسلم في هذه الحياة، إنما غايته أن يعبد الله ﷿ وحده لا شريك له، وسعيه وراء الرزق ليتمتع بالقدرة والقوة على القيام بما فرض الله ﷿ عليه من الجهاد، ليس فقط في قتال الأعداء الذين حرمنا -مع الأسف الشديد- في عصرنا هذا من هذا الجهاد، وإنما على الأقل في الجهاد جهاد النفس الأمارة بالسوء، التي تتطلب القيام بكثيرٍ من الفروض والواجبات، ومنها -مثلًا- الصلاة التي هي الركن الثاني بعد الشهادتين في الإسلام. فمن كان هزيلًا، ومن كان مريضًا لا يسعى لتقوية بدنه بما أنعم الله عليه من رزقٍ؛ فقد لا يستطيع أن يقوم بما فرض الله ﷿ من عليه الجهاد النفسي العام، الذي عبر عنه الرسول ﵇ في الحديث الصحيح حين قال: (المجاهد من جاهد نفسه لله) وفي رواية: (هواه لله ﷿ هذا الجهاد يتطلب -كما ألمحت آنفًا- إلى أن يكون المسلم قويًا في جسده، كما هو قويٌ في عقيدته وفي معانيه الإيمانية الإسلامية.

18 / 3