212

Lessons by Sheikh Al-Albani

دروس للشيخ الألباني

Genres

الفرق بين الاختلاف الجائز والمذموم نحن بحاجة إلى التنبيه ألا يتعصب كل منا لرأيه في فهم نص من كتاب الله، أو حديث رسول الله، تعصبًا يؤدي بنا إلى شيء من التنازع والتنافر، وقد يؤدي هذا بعد ذلك إلى التدابر وإلى التباغض، وهذا كله منهي عنه. فإذًا: نستطيع أن نقول باختصار: إن الفرق بين الاختلاف الجائز والاختلاف المحرم، يظهر من بقاء هؤلاء المختلفين على وحدتهم وعلى تناصحهم وتوادهم، أو خرجوا من ذلك إلى التناحر وإلى التباغض، فهذا ما أردت التنبيه عليه فيما إذا وقع الخلاف بين بعضنا بعضًا في مسألة ما فينبغي أن نتسامح. وأنا أُذكِّر بكلمة لبعض الدعاة الإسلاميين فيها شيء من هذا المعنى، ولكن يمكن تفسيرها بشيء يخالف بعض التوجيه السابق، تلك الكلمة تقول: نتعاون على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه. هذا الكلام يمكن تفسيره تفسيرًا صحيحًا، ويمكن تفسيره تفسيرًا أعوجًا، وهذا التفسير الأعوج هو الذي يطبقه المنتمون إلى قائل هذه الكلمة؛ لأنهم ينتهون إلى الرضا بالاختلاف وترك السعي للقضاء عليه بقدر الإمكان؛ ولذلك تجدهم يجتمعون ويعيش بعضهم مع بعض على أشد الاختلاف في قلوبهم هذا حنفي، وهذا شافعي، وذاك مالكي، وآخر حنبلي، ومع ذلك فهم جماعة واحدة -زعموا- وهذا ماتريدي، وهذا أشعري، وذاك سلفي، ومع ذلك جماعتهم جماعة واحدة، كيف كان هذا؟ كان هذا لأنهم تبنوا هذا التوجيه (يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه) هذا لا يجوز في الإسلام؛ لأنه يجب على المسلمين أن يتناصحوا، ولا شك أن التكتل والتجمع مما أمر الله به ورسوله، لكن يجب أن يكون التكتل على أساس الإسلام وعلى أساس النصيحة، وقد قال ﵇ كما تعلمون: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، وللأئمة المسلمين وعامتهم) . فإذا عشت أنا معك عشرين سنة ولم تنصحني، وأنا -مثلًا- ماتريدي وأنت أشعري وآخر سلفي، فهذا ليس من الإسلام في شيء إطلاقًا. وأنا في الواقع أشعر أن هذه الجملة الأخيرة: (ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه) أننا نحن السلفيين بحاجة إلى هذا التوجيه مع القيد السابق: يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه بعد التعاون والتناصح، ومحاولة إقناع كلٌ منا الآخر بالوجهة والصواب الذي يراه، أما أن يترك بعضنا بعضًا على خطئه وعلى ضلاله؛ وقد يكون ضلاله كفرًا؛ فهذا ليس من الإسلام في شيء إطلاقًا. ولهذا نقول: الصواب ما بين الإفراط وما بين التفريط: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة:١٤٣] فالوسط هو التمسك بالكتاب والسنة، والسلف الصالح تمسكوا بالكتاب والسنة، فكان يجادل بعضهم بعضًا، ويناظر بعضهم بعضًا، وذلك من باب التناصح في أقل مسألة، ولا يرضون بالواقع ولو كان خطأً، بل كان بعضهم يصدع بالحق صدعًا يكاد كثيرون منا اليوم لا يتحملونه؛ والسبب في ذلك أننا نشأنا على المداراة، وهي في الحقيقة المداهنة والنفاق بعينه. ولعلكم تذكرون كلمة ابن عمر لما جاءه رجل وقال له: [يا عبد الله! إني أحبك في الله، قال: أما أنا فأبغضك في الله. قال: كيف؟ قال: لأنك تلحن في أذانك وتأخذ عليه أجرًا] هذا النوع من النصح اليوم لا نكاد نراه إلا نادرًا ونادرًا جدًا، بل لو رُئي هذا النوع لنسب صاحبه إلى القسوة وإلى الشدة وإلى ترك الحكمة. كذلك تعرفون حديث ابن عمر نفسه، حينما حدث أمام جمع وفيهم أحد أولاده بما سمعه من النبي ﵌ من قوله: (ائذنوا للنساء بالخروج إلى المساجد بالليل) أو نحو هذا الحديث، فقال ابن له: والله لا نأذن لهن. فما كان منه إلا أن هدده وقال له: [أقول لك: قال رسول الله كذا وكذا وتقول: لا نأذن لهن؟ والله لا كلمتك أبدًا] فمات الولد وأبوه مقاطع له هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي كاد أن يكون نسيًا منسيًا، فهذا التناصح يجب ألا ننساه، وبه يمكن القضاء على القسم الأكبر من الاختلاف الذي ورثناه في هذه القرون الطويلة المديدة. أما أن يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه على الإطلاق؛ فهذا ليس من الإسلام في شيء. أسأل الله ﵎ أن يجعلنا من المهتدين الهادين المعتدلين السالكين على الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

16 / 7