Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Publisher
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Edition Number
الثانية
Publication Year
1402 AH
Publisher Location
دمشق
Genres
Theology
الطَّرِيقَيْنِ فَعَجْزُ الْعَرَبِ عَنْهُ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ، وَتَحَدَّاهُمْ بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ قَاطِعٌ.
قَالَ: وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّعَجُّبِ، وَأَحْرَى بِالتَّقْرِيعِ، وَالِاحْتِجَاجُ بِمَجِيءِ بَشَرٍ مِثْلِهِمْ بِشَيْءٍ لَيْسَ مِنْ قُدْرَةِ الْبَشَرِ لَازِمٌ، وَهُوَ أَبْهَرُ آيَةً، وَأَقْمَعُ دَلَالَةً، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمَا أَتَوْا فِي ذَلِكَ بِمَقَالٍ، بَلْ صَبَرُوا عَلَى الْجَلَاءِ وَالْقَتْلِ، وَتَجَرَّعُوا كَاسَاتِ الصَّغَارِ وَالذُّلِّ، وَكَانُوا مِنْ شُمُوخِ الْأَنْفِ، وَإِبَاءِ الضَّيْمِ بِحَيْثُ لَا يُؤْثِرُونَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا، وَلَا يَرْضَوْنَهُ إِلَّا اضْطِرَارًا، وَإِلَّا فَالْمُعَارَضَةُ لَوْ كَانَتْ مِنْ قَدْرِهِمْ لَأَسْرَعُوا بِالْحُجَجِ، وَقَطْعِ الْعُذْرِ، وَإِفْحَامِ الْخَصْمِ لَدَيْهِمْ، هَذَا وَهُمْ مِمَّنْ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَلَامِ، وَقُدْوَةٌ بِالْمَعْرِفَةِ بِهِ لِجَمِيعِ الْأَنَامِ، وَمَا مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ جَهَدَ جَهْدَهُ، وَاسْتَنْفَدَ مَا عِنْدَهُ فِي إِخْفَاءِ ظُهُورِهِ، وَإِطْفَاءِ نُورِهِ، فَمَا حَلُّوا فِي ذَلِكَ بِحَبَّةٍ مِنْ بَنَاتِ شِفَاهِمْ وَلَا أَتَوْا بِنُقْطَةٍ مِنْ مَعِينِ مِيَاهِهِمْ مَعَ طُولِ الْأَمَدِ، وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَتَظَاهُرِ الْوَالِدِ وَمَا وَلَدَ، بَلْ أُبْلِسُوا فَمَا نَبَسُوا، وَمُنِعُوا فَانْقَطَعُوا، انْتَهَى كَلَامُهُ
وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْوَفَاءِ " عَنِ الْإِمَامِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ، قَالَ: حَكَى لِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مُسْلِمٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ كُنَّا نَتَذَاكَرُ إِعْجَازَ الْقُرْآنِ، وَكَانَ ثَمَّ شَيْخٌ كَثِيرُ الْفَضْلِ، فَقَالَ: مَا فِيهِ مَا يَعْجِزُ الْفُضَلَاءُ عَنْهُ، ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى غُرْفَةٍ، وَمَعَهُ صَحِيفَةٌ وَمَحْبَرَةٌ، وَوَعَدَ أَنَّهُ يُبَادِئُهُمْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِمَا يَعْمَلُهُ مِمَّا يُضَاهِي الْقُرْآنَ فَلَمَّا انْقَضَتِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ صَعِدَ وَاحِدٌ فَوَجَدَهُ مُسْتَنِدًا يَابِسًا، وَقَدْ جَفَّتْ يَدُهُ عَلَى الْقَلَمِ.
قُلْتُ: وَبِمِثْلِ هَذِهِ يَحْتَجُّ الْقَائِلُونَ بِالصَّرْفَةِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِعَدَمِ حَصْرِ الْهَلَاكِ فِيهَا، بَلْ لَمَّا عَجَزَ أَهْلَكَهُ اللَّهُ كَمَدًا، وَلِتَجَرُّئِهِ عَلَى مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[الفائدة الثالثة القرآن معجز من عدة أوجه]
(الثَّالِثَةُ): كَوْنُ الْقُرْآنِ مُعْجِزَةً لَيْسَ هُوَ مِنْ جِهَةِ فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ فَقَطْ، أَوْ نَظْمِهِ وَأُسْلُوبِهِ، أَوْ إِخْبَارِهِ بِالْغَيْبِ وَالْمُغَيَّبَاتِ، وَلَا مِنْ صَرْفِ الدَّوَاعِي وَالْمُعَارَضَاتِ، بَلْ هُوَ آيَةٌ وَمُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَدَلَالَةٌ بَاهِرَةٌ وَحُجَّةٌ قَاهِرَةٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ النَّظْمِ وَمِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَةِ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى، وَمِنْ جِهَةِ مَعَانِيهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا، وَمَعَانِيهِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْ جِهَةِ مَعَانِيهِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عَنِ الْغَيْبِ الْمَاضِي، وَالْغَيْبِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِنْ جِهَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْمَعَادِ، وَمِنْ جِهَةِ
1 / 176