Lahn Hurriyya Wa Samt
لحن الحرية والصمت: الشعر الألماني في القرن العشرين
Genres
حين تكون الكلمات ألعابا،
تصير الظلال كلمات.
ربما تتردد كثيرا - وأنا معك - قبل أن تسمي هذا شعرا، ولكن النص المركز يوضح الظاهرة التي نتحدث عنها؛ فالكلمات والألعاب والظلال تتداخل في بعضها البعض، وتكون تركيبة لغوية أو كوكبة لفظية، تصور الحالة النفسية التي يحسها الشاعر، وهو يتعامل مع الكلمات ويتأملها، ويرصد حركتها واتجاهها وهدفها - أو بالأحرى يتركها تحدد لنفسها الحركة والهدف والاتجاه، وليس هذا أمرا مستغربا من الشاعر المعاصر، الذي ورث قدرا كبيرا من التأمل في «فن الشعر»، ووظيفته وماهيته عن أجداده من الرمزيين وأصحاب الشعر «الأبولي»، أو العقلي المحض وأصحاب الشعر «الديونيزي»، أو الشعر السادر في غياهب الحلم وأعماق العقل الباطن،
48
لقد استقر في ضميره أن العمل الشعري مغامرة من مغامرات العقل، الذي يعمل ويتأمل عمله في وقت واحد ، وإذا كان يحاول الآن أن ينشئ تركيبات شعرية عجيبة، تختلط فيها الصور الشعرية العريقة كالنجوم والرياح والبحار والظلال والأزهار، بصور الحضارة الآلية والعقلية واصطلاحات العلم ودقة الرياضة والحساب، فهو إنما يعبر عن احتجاجه على العصر وتأثره به في وقت واحد ... وهل نفهم عصرنا إن لم نفهم أنه عصر المحاولة والتجربة والمغامرة والحرية التي لا تقف عند حد؟
ومهما يكن رأينا في النص السابق فهو شاهد على الميل إلى الاختزال والتركيز، والرغبة في التشكيل والتركيب والتعديل في مادة البناء الشعري عن شغف باللعب الحر أو عن تعمد ذهني مقصود، ويجب ألا يغيب عن بالنا على كل حال، أن مثل هذه «القصائد» لا تخلو تماما من العاطفة ولا من التنغيم والإيقاع، بل لقد تكون هذه التركيبة التي تنفر منها لأول وهلة، هي الوسيلة لتحقيقها في عالم يبدو أنه أقفر من فيض العاطفة وعذب الأنغام.
ولكن هذه الظلال التي تحدث عنها «جومر ينجر» يرين عليها صمت أليم عند شاعر حساس عميق جاد، وهو «باول سلان» الذي التقينا به في سياق الكلام عن قصيدة الحب، ويكفي أن نقرأ هذه الأبيات من قصيدة «تكلم أنت أيضا» التي نشرت في مجموعته الشعرية «من عتبة إلى عتبة» (1955م):
تكلم أنت أيضا،
تكلم كآخر إنسان،
قل كلمتك،
Unknown page