112

Kifāḥ Ṭība

كفاح طيبة

Genres

وتحولت أبصار الجميع إلى التابوت الفرعوني، ثم سجدوا جميعا وفي مقدمتهم الأسرة الفرعونية وصلوا خاشعين.

ودنا الملك وأسرته من التابوت وأحاطوا به، وكان الصمت يشملهم جميعا ولكن خاطبت التابوت قلوبهم وسرائرهم، وأحست توتيشيري لأول مرة تخاذلا وخورا، فاستندت إلى ذراع الملك وقد حجبت مدامعها عن ناظريها التابوت المحبوب، وعزم حور على أن يرقأ دمع الأم المقدسة ويسكن آلام قلبها، فقال لنوفر آمون: أيها الكاهن الأكبر، احتفظ بهذا التابوت في قدس الأقداس حتى يودع في مقبرته باحتفال مهيب يليق بمقام صاحبه.

فاستأذن الكاهن مولاه وأمر رجاله برفع التابوت إلى مثوى الرب المعبود، وفتح الكاهن الصندوق واستخرج منه تاج مصر المزدوج، ودنا من أحمس في إجلال وتوج به رأسه المجعد، ورأى القوم ما فعل الكاهن فهتفوا جميعا: «يعيش فرعون مصر!»

ودعا نوفر آمون الملك والملكات إلى زيارة المثوى المقدس فساروا جميعا، وكانت توتيشيري ما تزال تتوكأ على ذراع أحمس، واجتازوا العتبة المقدسة التي تفصل بين الدنيا والآخرة، وسجدوا للرب المقدس ولثموا الستائر المسدلة على تمثاله، وصلوا صلاة الشكر والحمد أن هيأ لهم الفوز وردهم إلى وطنهم ظافرين.

وغادر الملك إلى هودجه وكذلك الملكات، وحمل العرش على عربة كبيرة، واستأنف الموكب سيره إلى القصر بين الجموع الهاتفة الداعية، المهللة المكبرة، الملوحة بالأغصان الناثرة للزهور، فبلغوا القصر القديم عند الأصيل، وكان التأثر قد بلغ من نفس توتيشيري مبلغا كبيرا فاشتد خفقان قلبها واضطربت أنفاسها، فحملت في هودجها إلى جناحها الملكي، ولحقت بها الملكات والملك، وجلسوا بين يديها قلقين، ولكنها استعادت هدوءها وعادت بقوة إرادتها وإيمانها، فاستوت جالسة ونظرت في الوجوه الحبيبة بحنان وقالت بصوت ضعيف: معذرة يا أبنائي، لقد خانني قلبي لأول مرة، ولشد ما تحمل هذا القلب ولشد ما صبر، فدعوني أقبلكم جميعا، ففي مثل سني يعجل بلوغ الأمل بالنهاية.

34

وجاء المساء وخيم الليل وطيبة لا يعرف النوم إلى أجفانها سبيلا، فلبثت ساهرة تلوح المشاعل في طرقاتها وضواحيها، ويجتمع الناس في ميادينها ينشدون ويهتفون، وتسجع ديارها بالأغاني والألحان، في تلك الليلة لم ينم أحمس على ما به من تعب ونصب، ونبا به الفراش فخرج إلى الشرفة المطلة على حديقة القصر الفيحاء، وجلس على أريكة وثيرة في ضوء مصباح خافت، وساحت روحه في الظلام الجاثم، وكانت أنامله تعبث بسلسلة ذهبية بحنو وإشفاق، ينظر إليها بين الفينة والفينة كأنما يستمد منها أفكاره وأحلامه.

ولحقت به على غير انتظار الملكة الشابة نيفرتاري وكان الفرح ينفي الكرى عن عينيها، فظنت أن زوجها في مثل سرورها، فجلست إلى جانبه جذلة منشرحة الصدر، وانعطف الملك إليها مبتسما فوقع بصرها على السلسلة في كفه فتناولتها بدهشة وقالت: أهذا عقد؟ .. ما أجمله! ولكنه مبتور.

فقال وهو يجمع أشتات فكره: نعم ... فقد قلبه. - وا أسفاه .. وأين فقد؟

فقال: لا أدري إلا أنه ضاع على غير إرادتي.

Unknown page