ولكن كثيرا من الأساتذة يكتبون في الجرائد اليومية ما لا تحتمله إلا المجلة المتخصصة، وكثير منهم يكتب في الكتب كلاما لا يسوغ إلا في الجرائد اليومية، وتختلط الأمور عليهم وعلى قرائهم ويقعون في أحابيل «الأستذة»، ويقع الجمهور في أحابيل الخوف من التصريح بعدم الفهم؛ حتى لا يقال عنهم جهلاء ويصبح الكلام في الهواء لا قيمة له ولا يجد له فاهما ... كم يحتاج هؤلاء الأساتذة إلى عثمان نويه ليقول لهم: اثنين فلاج وهات مليم وحياة أبوك!
دعوة كريمة من أستاذ كريم
كم كان أستاذنا زكي نجيب محمود رائعا في مفكرته الأخيرة، وإني واثق أنه لم يصدر في دعوته إلى إنقاذ تلميذه عن روح الأستاذ، بقدر ما يصدر عن روح الإنسان، فلكل أن يعانق المذهب الذي يشاء، وله أن يدافع عنه بكل المنطق الذي يملكه، ولكن ليس لأحد أن يصادر رأيه أو يعذبه لأنه صاحب رأي.
إن الإنسان هو أكرم ما خلق الله، وأي مساس بحريته أو بجسمه أو بمشاعره إنما هو وحشية وهمجية وانتكاس إلى أبشع ما عرفته البشرية من عهود.
فليكن تلميذ أستاذنا هذا شيوعيا أو فوضويا أو ما يشتهي أن يكون، إنه وحده صاحب الحق في تكوين عقيدته، ولا سبيل لأحد عليه إلا بالنقاش الحر، ودفع الحجة بالحجة والرأي بالرأي، أما أن يكون النقاش باعتقال الحرية، وأن يكون رد الحجة بالاعتداء على كيانه البشري، ويكون دفع الرأي بالتهديد في النفس أو العرض أو المشاعر فذلك أمر تأباه الإنسانية التي تسود هذا العهد الذي نعيش في ظله.
أنا لا أعرف صاحب هذه المشكلة، كما أنني حين قرأت مقال الدكتور زكي لم أهتد إليه، ولكنني سمعت البعض يرددون اسمه، وظللت مع ذلك لا أعرفه ولا أذكر أنني التقيت به، إلا أنني عرفت أنه يعاني هذا الذي يعانيه منذ نحو عشر سنوات، فهو إذن قطعة منسية من عهد مضى والحمد لله.
وإنني واثق أن الدكتور زكي في ندائه إنما يستثير المشاعر الكريمة التي يعرفها في القائمين بالأمر الآن، ولا شأن للدكتور زكي بالناحية الطبية، وإنما الذي ننشده أن تنظر في حالة هذا المستغيث جماعة محايدة من الأطباء، وإننا واثقون بضمائر الأطباء، أما أولئك الذين كانوا يشرفون على المعتقلات فما هم من الأطباء ولا من الطب في شيء.
والنظرية القانونية تقول إن الشريك في الفعل مثل فاعله، ولكن الوزر الذي يقع على كاهل المشاركين في التعذيب من الأطباء أكبر من وزر الشريك العادي، فالمفروض في الطبيب أن يكون رحيما؛ فهو الذي يأسو جراح الجسم والنفس، فإن أهمل فهو مجرم ، أما أن يساعد من يحطم الجسم ويسحق النفس فهو شر من مجرم.
وعودا إلى دعوة أستاذنا أحييه من أجلها، وإن كانت ليست غريبة على من هو في مثل خلقه الرفيع وثقافته العالية.
اقتراح إلى التليفزيون
Unknown page