الآخرة فله الجاه الأعظم والمقام الأكرم في محل الشفاعة حين يُدعا إليها (١) آدمُ فمن دونه من الأنبياء وكُلٌّ يقول: لست (٢) لها، فإذا أفضت إليْه قال: أنا لها، فيَسأل اللهَ ثم يسأله فيعطيه ما طلب ويُشَفِّعُه في أهل المحشر فيحاسَبون ويَستريحون من شدّة ما كانوا فيه فيُشَفَّعُ فيهم، ثم إذا صار العصاة من أمّته إلى النار يُشَفَّع فيهم مرّةً بعد مرّة حتى لا يبقى في النار من قال: لا إله إلا الله إلا أُخرج بشفاعته (٣)، وذلك المقام المحمود الذي وُعِدَه ﷺ بقوله تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: من الآية ٧٩] فيَغبِطُهُ بهذا المقام الأوّلون والآخرون، فأيّ جاه في الدنيا والآخرة أعظم من هذا الجاه، وقد قال قوم من أهل العلم في قوله: ﴿يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: من الآية ٧٩] هو أن يُجلسه معه على العرش كما سيأتي (٤)، وأما القرب فأيّ منزلة أقرب من منزلة الحبيب (٥)، وهل نال أحد ما نال محمد ﷺ من التقريب، أمَا هو الذي خُصّ بدرجة دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى حتى أوحى الله إليه ما أوحى.
وأما قوله في عيسى ﵇: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ [ق ٢٧/ظ] الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ
لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ
(١) في ب "إليه".
(٢) في ب "ولست" بزيادة الواو، وهو خطأ.
(٣) أخرج حديث الشفاعة البخاري (٩/ ١٤٦)، كتاب التوحيد، باب كلام الرب ﷿ يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، ح ٧٥١٠؛ وأخرجه مسلم (١/ ١٨٢)، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، ح ١٩٣، من طريق معبد بن هلال العنزي.
(٤) سيأتي التعليق على المسألة في موضعها -إن شاء الله-.
(٥) تقدم التعليق على تفضيل وصف النبي ﷺ بالحبيب على الخليل، انظر: ص ٣٢٠ - ٣٢١.