250

والمفروض أن المسئولية تزداد بازدياد السلطة، لكن العكس هو الصحيح في بلادنا العربية، إذ تقل المسئولية بازدياد السلطة حتى تنعدم المحاسبة تماما عند القمة حيث يتربع الحاكم على العرش، فلا يمكن لأحد أو هيئة أن تحاسبه على الخطأ، بل تخفى الأخطاء تحت وابل من التبريرات، فإن فشلت وانكشف الخطأ تحت وطأة الأزمة الاقتصادية أو الهزيمة العسكرية يقدم كبش فداء يتلقى العقاب.

وقد روجت الثقافة الرسمية في بلادنا لكلمة «الفداء» وكنا في طفولتنا نغني كل صباح للملك المفدى، واندرجت في مدارسنا كلمة «الولاء» و«الطاعة» ضمن الفضائل، مع أنها بعض الكلمات المتوارثة من النظم العبودية والإقطاعية حين كان العبد أو الأجير يذبح ويقدم قربانا لصاحب الأرض، أو فدية للملك، وكلها موروثات العصور العبودية، التي قلبت القيم الإنسانية الطبيعية رأسا على عقب، واندرجت النساء مع البقر مع العبيد في قائمة الأشياء وليس البشر، وأصبحت «العبودية» مرادفة لكلمة «الولاء» والاستكانة للذل فضيلة، ومحاولة إصلاح الحكم رذيلة أو شذوذ أو نوع من الجنون.

وأصبحت المعرفة إثما، يعاقب عليه الإنسان كما عوقبت حواء في العصر العبودي الأول حين مدت يدها إلى شجرة المعرفة. (11) التيارات الدينية المتطرفة

بالرغم من أن الثقافة الإسلامية في أصولها الأولى لا تعرف شيئا عن شجرة المعرفة، فالقرآن لم يذكر في قصة آدم إلا كلمة الشجرة فقط دون أن يسميها، وحاول بعض المفسرين الأوائل تخمين نوع الشجرة، وقال بعضهم إنها شجرة تين أو عنب أو فاكهة أخرى، لكن القرآن لم يذكر أنها شجرة المعرفة كما جاء في التوراة، وبالتالي فإن تأثيم المعرفة لم يعرف في التراث الإسلامي بمثل ما عرف في التراث المسيحي واليهودي.

لكن المشكلة ليست في الدين، وإنما في الأنظمة السياسية والمؤسسات الحاكمة المستبدة التي تستخدم الدين وسيلة لتحريم المعرفة أو الوعي، وضرب القوى الشعبية المدنية أو السياسية، الأخرى، التي تحاول إعادة توزيع السلطة والثروة في البلاد بشكل أقل ظلما أو إجحافا بالأغلبية الساحقة من الناس.

لقد أدت المؤسسات الحاكمة المستبدة في بلادنا العربية بصفة عامة إلى هذه النتائج الخمس: (1)

مزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. (2)

ازدياد الهوة بين الأثرياء والفقراء. (3)

مزيد من التبعية للقوى الاستعمارية الغربية. (4)

مزيد من التيارات الدينية المتطرفة. (5)

Unknown page