126

Kashkul

الكشكول

Investigator

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٨هـ -١٩٩٨م

Publisher Location

بيروت - لبنان

الحساب. فقد روينا عن سيد البشر والشفيع المشفع في المحشر ﷺ أنه قال: يجاء بالعبد يوم القيامة فتوضع حسناته في كفة وسيئاته في كفة فترجح السيئات فتجيء بطاقة فتقع في كفة الحسنات فترجح بها فيقول: يا رب ما هذه البطاقة فما من عمل عملته في ليلي ونهاري إلا استقبلت به فيقول ﷿: هذا ما قيل فيك وأنت منه بريء فهذا الحديث النبوي قد أوجب بمنطوقه على أن أشكر ما أديته من النعم إلي فأكثر الله خيرك وأجزل ميرك، مع أني لو فرضت أنك شافهتني بالسفاهة والبهتان وواجهتني بالوقاحة والعدوان ولم تزل مصرًا على إشاعة شناعتك ليلًا ونهارًا ومقيمًا على سوء صناعتك سرًا وجهارًا ما كنت أقابلك إلا بالصفح والصفا ولا أعاملك إلا بالمودة والوفا فإن ذلك من حسن العادات وأتم السعادات وإن بقية مدة الحياة أعز من أن تصرف في غير تدارك ما فات وتتمة هذا العمر القصير لا تسع مؤاخذة أحد على التقصير، ولله در من قال، فلقد أحسن في المقال. على أني لو صرفت ال عنان إلى مجازاة أهل العدوان ومكافات ذوي الشنئان لوجدت إلى تدميرهم سبيلًا رحيبًا وإلى أفنائهم طريقًا قريبًا كما قلت في سالف الزمان. سانحة مصاحب الملك محسود بين الأنام من الخاص والعام، لكنه في الحقيقة مرحوم، لما يرد عليه من الهموم الخفية التي لا يطلع الناس عليها ولا تصل أنظارهم إليها، ولذلك قال الحكماء صاحب السلطان كراكب الأسد، بينما هو فرسه إذ هو فرسه فلا تكن مغرورًا من جليس الملك وأنيسه بما تشاهد من ظاهر حاله وانظر بعين الباطن إلى توزع باله، وسوء ماله وتقلب أحواله. سانحة أيها الطالب الراغب إني أكلمك على قدر عقلك وعرفانك لأن شأن الأسرار المكنونة فوق مرتبتك، فلا تطمع في أن أكشف لك الأمر المكتوم وأن أسقيك من الرحيق المختوم إذ لا طاقة لك على شرب ذلك ولا قدرة لأمثالك على سلوك تلك المسالك. ثم إذا ترقيت عن مرتبة العوام، وصرت قريبًا من درجة أولي البصاير والأفهام، فأنا أسقيك من شراب أصحاب مرتبة الوسطى ولا أتركك محرومًا من هذه الأعطاء، فكن قانعًا بما في الخباب من ذلك الشراب، ولا تكن طامعًا بما في الأباريق والأكواب. سانحة قد تهب من عالم القدس نفحة من نفحات الأنس على قلوب أصحاب العلايق الدنية والعوائق الدنيوية فتتعطر بذلك مشام أرواحهم، ويجري روح الحقيقة في رميم أشباحهم، فيدركون قبح الانغماس في الأدناس الجسمانية ويذعنون بخساسة الانتكاس في مهاوي القيود الهيولانية فيميلون إلى سلوك مسالك الرشاد وينتبهون من

1 / 128