المجلد الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله الواحد المعين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين. وبعد فإني لما فرغت من تأليف كتابي المسمى بالمخلاة، الذي حوى من كل شيء أحسنه وأحلاه، وهو كتاب كتب في عنفوان الشباب، قد لفقته ونسقته وأنفقت فيه ما رزقته، وضمنته ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين: من جواهر التفسير وزواهر التأويل، وعيون الأخبار ومحاسن الآثار، وبدائع حكم يستضاء بنورها، وجوامع كلم يهتدي ببدورها، ونفحات قدسية تعطر مشام الأرواح وواردات أنسية تحيي رميم الأشباح، وأبيات رائقة تشرب في الكؤوس لسلاستها، وحكايات شايقة تمزج بالنفوس لنفساتها، ونفايس عرايس تشاكل الدر المنثور، وعقائل مسائل تستحق أن تكتب بالنور على وجنات الحور، ومباحثات سديدة سنحت للخاطر الفاتر حال فراغ البال، ومناقشات عديدة سمح بها الطبع القاصر أيام الإشتغال، مع ترتيب أنيق لم أسبق إليه، وتهذيب رشيق لم أزاحم عليه، ثم عثرت بعد ذلك على نوادر تتحرك لها الطباع، وتهش لها الأسماع، وطرائف تسر المحزون، وتزري بالدر المخزون، ولطائف أصفى من رايق الشراب، وأبهى من أيام الشباب، وأشعار أعذب من الماء الزلال، وألطف من السحر الحلال، ومواعظ لو قرئت على الحجارة لانفجرت، أو الكواكب لانتثرت، وفقر أحسن من ورد الخدود، وأرق من شكوى العاشق حال الصدود، فاستخرت الله تعالى، ولفقت كتابًا ثانيًا يحذو حذو ذلك الكتاب الفاخر، ويستبين به صدق المثل السائر: كم ترك الأول للآخر.
ولما لم يتسع المجال لترتيبه، ولا وجدت من الأيام فرصة لتبويبه، جعلته كسفط مختلط رخيصه بغاليه، أو عقد انفصم سلكه فتناثرت لئاليه، وسميته: بالكشكول ليطابق اسمه اسم أخيه ولم أذكر شيئًا مما ذكرته فيه، وتركت بعض صفحاته على بياضها لأقيد ما يسنح من الشوارد في رياضها كيلا يكون به عن سعة ذلك نكول، فإن السائل في معرض الحرمان إذا امتلأ الكشكول فسرح نظرك في رياضه، وأسق قريحتك من حياضه، وارتع بطبعك في حدائقه
1 / 3
واقتبس أنوار الحكم من مشارقه، وعض عليه أنياب حرصك عضًا ولا تفضه على من كان غليظ القلب فضًا، واتخذه وأخاه جليسين لوحدتك وأنيسين لوحشتك وموجبين لسلوتك وصاحبين في خلوتك ورفيقين في سفرك، ونديمين في حضرتك، فإنهما جاران باران، وسميران ساران، وأستاذان خاضعان ومعلمان متواضعان، لا بل هما حديقتان تفتحت ورودهما وخريدتان توردت خدودهما وغانيتان لا بستان حلل جمالهما؛ مائستان في برود جلالهما فصنهما عن غير طالبهما ولا تبذلهما إلا لخاطبهما
فمن منح الجهال علمًا أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وجوه في إياك نعبد
ذكر المفسرون في قوله تعالى
" إياك نعبد وإياك نستعين " وجوهًا عديدة للإتيان بنون الجمع والمقام مقام الإنكسار والمتكلم واحد، ومن جيد تلك الوجوه ما أورده الإمام الرازي في تفسيره الكبير وحاصله: إنه قد ورد في الشريعة المطهرة أن من باع أجناسًا مختلفة صفقة واحدة، ثم خرج بعضها معيبًا فالمشتري مخير بين رد الجميع وإمساكه وليس له تبعيض الصفقة برد المعيب وإبقاء السليم وهيهنا حيث يرى العابد أن عبادته ناقصة معيبة لم يعرضها وحدها على حضرة ذي الجلال بل ضم إليها عبادة جميع العابدين: من الأنبياء والأولياء والصلحاء وعرض الكل صفقة واحدة راجيًا قبول عبادته في الضمن لأن الجميع لا يرد البتة؟ ﴿إذ بعضه مقبول ورد المعيب وإبقاء السليم تبعيض للصفقة وقد نهى سبحانه عباده عنه؟ فكيف يليق بكرمه العظيم فلم يبق إلا قبول الجميع وفيه المراد.
عن بعض أصحاب الحال: إنه كان يقول يومًا لأصحابه لو أني خيرت بين دخول الجنة وبين صلاة ركعتين لاخترت صلاة ركعتين؟ فقيل له وكيف ذلك قال: لأني في الجنة مشغول بحظي وفي الركعتين مشغول بحق وليي وأين ذاك عن هذا؟﴾ .
في الإحياء رأى بعضهم الشبلي في المنام فسأله ما فعل الله بك فقال: ناقشني حجتي يئست فلما رأى يأسي تغمدني برحمته.
ورأى بعضهم بعض أصحاب الكمال في المنام فسأله عن حاله فأنشد:
حاسبونا فدققوا ثم منوا فأعتقوا ... هكذا شيمة الملوك بالمماليك يرفقوا
نظر عبد الملك بن مروان عند موته في قصره إلى قصار يضرب بالثوب المغسلة، فقال: يا ليتني كنت قصارًا، لم أتقلد الخلافة فبلغ كلامه أبا حازم. فقال
1 / 4
الحمد لله الذي جعلهم إذا حضرهم الموت يتمنون ما نحن فيه وإذا حضرنا الموت لم نتمن ما هم فيه.
عن معاذ بن جبل قال: قلت للرسول ﷺ أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال ﵌: لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله: تعبد الله ولا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال ﵌: ألا أدلك على أبواب الخير قلت بلى يا رسول الله قال: الصوم جنة والصدقة تطفي الخطيئة كما يطفي الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين ثم تلا ﵌: تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون.
ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه قلت بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد؛ ثم قال: ألا أخبركم بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله قال: كف عليك هذا وأشار إلى لسانه؛ قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به قال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخيرهم إلا حصايد ألسنتهم قال بعض العباد: أعدت صلاة ثلاثين سنة كنت أصليها في الصف الأول لأني تخلفت يومًا لعذر فما وجدت موضعًا في الصف الأول فوقفت في الصف الثاني فوجدت نفسي تستشعر خجلًا من نظر الناس إلي وقد سبقت بالصف الأول فعلمت أن جميع صلاتي كانت مشوبة بالرياء ممزوجة بلذة نظر الناس إلي ورؤيتهم إياي من السابقين إلى الخيرات.
من كلام بعض الأعلام العزلة بدون عين العلم زلة وبدون زاء الزهد علة.
من كلام بوذرجمهر عاداني الأعداء فلم أر عدوًا أعدى من نفسي.
عالجت الشجعان والسباع فلم يغلبني أحد كصاحب السوء أكلت الطيب وضاجعت الحسان فلم أر ألذ من العافية.
أكلت الصبر وشربت المر فما رأيت أشد من الفقر.
صارعت الأقران وبارزت الشجعان فلم أر أغلب من المرأة السليطة.
رميت بالسهام ورجمت بالأحجار فلم أجد أصعب من كلام السوء يخرج من فم مطالب بحق.
تصدقت بالأموال والذخاير فلم أر صدقة أنفع من رد ذي ضلالة إلى الهدى سررت بقرب الملوك وصلاتهم فلم أر أحسن من الخلاص منهم.
استمرت العادة في أقاصي بلاد الهند على إقامة عيد كبير على رأس كل مائة سنة
1 / 5
فيخرج أهل البلد جميعًا من شيخ وشاب وصغير وكبير إلى صحراء خارج البلد، فيها حجر كبير منصوب فينادي منادي الملك لا يصعد على هذا الحجر إلا من حضر هذا العيد قبل هذا، بما جاء الشيخ الهرم الذي ذهبت قوته وعمي بصره والعجوز الشوهاء وهي ترجف من الكبر فيصعدان على ذلك الحجر أو أحدهما وربما لا يجيء أحد وقد يكون قد فني ذلك القرن بأسره فمن صعد على ذلك الحجر نادى بأعلى صوته قد حضرت العيد السابق وأنا طفل صغير وكان ملكنا فلانًا ووزيرنا فلانًا وقاضينا فلانًا، ثم يصف الأمم الماضية من ذلك القرن كيف طحنهم الموت وأكلهم البلى وصاروا تحت أطباق الثرى، ثم يقوم خطيبهم فيعظ الناس ويذكرهم الموت وغرور الدنيا ولعبها بأهلها فيكثر في ذلك اليوم البكاء وذكر الموت والتأسف على صدور الذنوب والغفلة عن ذهاب العمر، ثم يتوبون ويكثرون الصدقات ويخرجون من التبعات.
ومن عاداتهم أيضًا أنه إذا مات ملك من ملوكهم أدرجوه في أكفانه ووضعوه على عجلة وشعر رأسه يسحب على الأرض وخلفه عجوز بيدها مكنسة تدفع بها ما تعلق من التراب بشعره وهي تقول: اعتبروا أيها الغافلون شمروا ذيل الجد أيها المقصرون المغترون وهذا ملككم فلان انظروا إلى ما صيرته إليه الدنيا بعد ذلك العزة والجلالة ولا تزال تنادي خلفه كذلك إلى أن تدور به جميع أزقة البلدة ثم يودع في حفرته وهذا رسمهم في كل ملك يموت في أرضهم.
كلام بعض الأكابر إذا عصتك نفسك فيما تأمرها فلا تطعها فيما تشتهيه.
قال بعض الأبدال: مررت ببلاد المغرب على طبيب والمرضى بين يديه وهو يصف لهم علاجهم فتقدمت إليه وقلت عالج مرضي يرحمك الله فتأمل في وجهي ساعة ثم قال: خذ عرق الفقر: وورق الصبر مع إهليلج التواضع، واجمع الكل في إناء اليقين، وصب عليه ماء الخشية، وأوقد تحته نار الحزن، ثم صفه بمصفاة المراقبة في جام الرضا، وامزجه بشراب التوكل، وتناوله بكف الصدق، واشربه بكأس الإستغفار وتمضمض بعده بماء الورع واحتم عن الحرص والطمع فإن الله يشفيك إن شاء. التهامي
1 / 6
تنافس في الدنيا غرورًا وإنما ... قصارى غناها أن يعود إلى الفقر
وإنا لفي الدنيا كركب سفينة ... نظن وقوفا والزمان بنا يجري
قال بعض العباد: خرجت يومًا إلى المقابر فرأيت البلهول فقلت ما تصنع هنا؟ قال: أجالس قومًا لا يؤذوني، وإن غفلت عن الآخرة يذكروني وإن غبت لم يغتابوني.
وقيل لبعض المجانين: وقد أقبل من المقبرة من أين جئت؟ فقال من هذه القافلة النازلة قيل: ماذا قلت لهم قال: قلت لهم متى ترحلون؟ فقالوا حين تقدمون.
كان بعض أهل الكمال يقول: إذا رأيت الليل مقبلًا فرحت، وأقول أخلوا بربي، وإذا رأيت الصبح قريبًا استوحشت كراهة لقاء من يشغلني عن ربي.
قال هرم بن حيان: أتيت أويس القرني، فقال لي: ما جاء بك فقلت: جئت لآنس بك فقال أويس: ما كنت أرى أحدًا يعرف ربه فيأنس بغيره.
من الشيخ العطار عطر الله مرقده بالرضوان من منطق الطير قال أبو الربيع الزاهد لداود الطائي: عظني، فقال: صم عن الدنيا واجعل فطرك على الآخرة، وفر من الناس فرارك من الأسد.
وكان بعض أصحاب الحال يقول: يا إخوان الصفا هذا زمن السكوت، وملازمة البيوت، وذكر الحي الذي لا يموت.
كان الفضيل يقول: إني لأجد للرجل عندي يدًا إذا لقيني أن لا يسلم علي قال أبو سليمان الداراني: بينما الربيع بن خيثم جالس على باب داره، إذ جاءه حجر فصك وجهه فشجه فجعل يمسح الدم عن جبهته، ويقول: لقد وعظت يا ربيع فقام ودخل داره، ولم يخرج حتى أخرجت جنازته.
وقال بعض العرفاء: أقل من معرفة الناس فإنك لا تدري حالك يوم القيامة فإن تكن فضيحة كان من يعرفك قليلًا.
كانت الرباب بنت امرىء القيس إحدى زوجات الحسين بن علي ﵁ وشهدت معه الطف وولدت منه سكينة ولما رجعت إلى المدينة خطبها أشراف قريش فأبت وقالت لا يكون لي حمو بعد ابن رسول الله ﷺ وبقيت بعده ﵇ لم يظلها سقف، حتى ماتت كمدًا عليه.
قال ابن الجوزي ي معراجه مخاطبًا له: كان إبراهيم بن أدهم يحفظ البساتين، فجاءه يومًا جندي، وطلب
1 / 7
منه شيئًا من الفاكهة، فأبى فضربه على رأسه بسوط، فطأطأ إبراهيم له رأسه وقال: اضرب رأسًا طال ما عصى الله فعرفه الجندي وأخذ في الاعتذار إليه فقال إبراهيم: الرأس الذي يليق له الاعتذار تركته ببلخ.
قال رجل لسهل: أريد أن أصحبك فقال: إذا مات أحدنا فمن يصحبه الآخر، فليصحبه الآن.
قيل للفضيل: إن ابنك يقول: قد وددت أني في مكان أرى الناس ولا يروني فبكى الفضيل وقال: يا ويح ابني أفلا أتمها لا أراهم ولا يروني.
قال العارف الكاشي: عند قوله تعالى: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " كل فعل يقرب صاحبه من الله فهو بر ولا يحصل التقرب إليه إلا بالتبري عما سواه؛ فمن أحب شيئًا فقد حجب عن الله تعالى وأشرك شركًا خفيًا لتعلق محبته بغير الله سبحانه، كما قال تعالى: " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله " وآثر به نفسه على الله فقد بعد من الله بثلاثة أوجه فإن آثر الله به على نفسه وتصدق به وأخرجه من يده فقد زال البعد وحصل القرب وإلا بقي محجوبًا وإن أنفق من غيره أضعافه فما نال برًا، لعلمه تعالى بما ينفق واحتجابه لغيره.
قال في الإحياء من كتاب العزلة وبيان فوائدها: الفائدة السادسة الخلاص من مشاهدة الثقلاء والحمقى ومقاساة خلقهم وأخلاقهم، فإن رؤية الثقيل هو العمى الأصغر. قيل للأعمش: لم عمشت عينك فقال: من النظر إلى الثقلاء. ويحكى: أنه دخل عليه أبو حنيفة، فقال له: جاء في الخبر من سلب الله كريمتيه عوضه عنهما ما هو خير منهما فما الذي عوضك؟ فقال في معرض المطايبة: عوضني عنهما أن كفاني رؤية الثقلاء وأنت منهم. لله در من قال:
أنست بوحدتي ولزمت بيتي ... فطاب الأنس لي وصفى السرور
وأدبني الزمان فلا أبالي ... بأني لا أزار ولا أزور
ولست بسائل ما عشت يومًا ... أسار الجند أم ركب الأمير
أبو الفتح البستي
ألم تر أن المرء طول حياته ... معنى بأمر لا يزال يعالجه
كدود كدود القز ينسج دائمًا ... ويهلك غمًا وسط ما هو ناسجه
قال بعض العباد: إجعل الآخرة رأس مالك، فما أتاك من الدنيا فهو ربح. من كلام بعضهم: يا ابن آدم إنما أنت عدد فإذا ذهب يوم ذهب بعضك.
1 / 8
من كلام محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه من كرمت عليه نفسه، هانت عليه دنياه.
ومن كلام بعضهم يا ابن آدم إنما أنت عدد، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك.
وقع المأمون إلى عامل تظلم منه أنصف من وليت أمره وإلا أنصفه من ولي أمرك.
لبعض الأكابر: العجب ممن عرف ربه ويغفل عنه طرفة عين.
بوذر جمهر: أعلم الناس بالدنيا أقلهم منها تعجبًا.
بعض الصوفية: لو قيل أي شيء أعجب عندك؟ لقلت قلب عرف الله ثم عصاه.
عن رسول الله ﷺ لا يكون العبد من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به.
عن أمير المؤمنين علي ﵁: ما أرى شيئًا أضر بقلوب الرجال من خفق النعال وراء ظهورهم.
زار بعض العلماء بعض العباد: ونقل له كلامًا عن بعض معارفه، فقال له العابد: قد أبطأت في الزيارة وجئتني بثلاث جنايات، بغضت إلي أخي وشغلت قلبي الفارغ، واتهمت نفسك.
روى عبيد بن زرارة: عن الصادق جعفر بن محمد ﵁ أنه قال: ما من مؤمن إلا وقد جعل الله له من إيمانه أنسًا يسكن إليه حتى لو كان على قلة جبل لم يستوحش.
أوحى الله سبحانه إلى بعض أنبيائه: إن أردت لقائي غدًا في حظيرة القدس، فكن في الدنيا غريبًا. وحيدًا محزونًا مستوحشًا كالطير الوحداني الذي يطير في الأرض المقفرة ويأكل من رؤوس الأشجار المثمرة فإذا كان الليل آوى إلى وكره ولم يكن للطير إلا استيناسًا بي واستيحاشًا من الناس في التورية: من ظلم خرب بيته وقد ورد هذا في القرآن العزيز قوله تعالى: " فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ".
أبو العتاهية
عش ما بدا لك سالمًا ... في ظل شاهقة القصور
يسعى إليك بما اشتهيت ... لدى الرواح وفي البكور
فإذا النفوس تغرغرت ... في وقت حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنًا ... ما كنت إلا في غرور
1 / 9
العاصمي
تسل فليس في الدنيا كريم ... يلوذ به صغير أو كبير
وربع المجد ليس له أنيس ... وحزب الفضل ليس لهم نصير
وقائلة أراك على حمار ... فقلت لأن سادتنا حمير
الشريف الرضي
ولقد وقفت على ديارهم ... وطلولها بيد البلى نهب
وبكيت حتى ضج من لغب ... نضوي وعج بعذلي الركب
وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب
ابن بسام
ولقد صبرت على المكروه أسمعه ... من معشر فيك لولا أنت ما نطقوا
وفيك داريت قومًا لا خلاق لهم ... لولاك ما كنت أدري أنهم خلقوا
آخر
على هذه الأيام ما تستحقه ... فكم قد أضاعت منك حقًا مؤكدا
فلو أنصفت شادت محلك بالسها ... علوًا وصاغت نعل نعلك عسجدا
آخر
يا مقلتي أنت التي ... أوقعتني في حبه
غرتك رقة خده ... ونسيت قسوة قلبه
قال أفلاطون: العشق قوة غريزية متولدة من وساوس الطمع وأشباح التخيل للهيكل الطبيعي، تحدث للشجاع جبنًا وللجبان شجاعة وتكسو كل إنسان عكس طباعه.
وقال بعض الحكماء: الحسن مغناطيس روحاني لا يعلل جذبه للقلوب بعلة سوى الخاصية.
وقال بعضهم: العشق الهام شوقي أفاضه الله سبحانه على كل ذي روح ليتحصل له به ما لا يمكن حصوله له بغيره.
ذكر صاحب كتاب الأغاني في أخبار علوية المجنون: إنه دخل يومًا على المأمون وهو يرقص ويصفق بيديه ويغني بهذين البيتين:
1 / 10
عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن صرت طوع يديه
وإني لمشتاق إلى ظل صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه
فسمع المأمون وجميع من حضر المجلس من المغنين وغيرهم ما لم يعرفوه واستطرفه المأمون وقال: ادن يا علوية وردده، فردده عليه سبع مرات فقال المأمون يا علوية خذ الخلافة وأعطني هذا الصاحب. قال أبو نواس: دخلت خربة فرأيت قربة مملوءة ماء مستندة إلى حائط، فلما توسطت الخربة أبصرت نصرانيًا وفوقه سقاء فلما رآني قام عن النصراني وأخذ قربته وهرب فقام النصراني غير وجل يشد سراويله في وجهي وهو يقول: يا أبا نواس إياك أن تلوم أحدًا على مثل هذه الحال فإن لومك له إغراء قال فأخذت من كلامه قولي هذا دع عنك لومي فإن اللوم إغراء.
حدث عمرو بن سعيد قال: كنت في نوبتي في الحرس في أربعة آلاف إذ رأيت المأمون قد خرج ومعه غلمان صغار وشموع فلم يعرفني فقال: من أنت؟ فقلت عمرو عمرك الله، ابن سعيد أسعدك الله، ابن مسلم سلمك الله. فقال: أنت تكلؤنا منذ الليلة فقلت الله يكلؤك يا أمير المؤمنين وهو خير حافظًا وهو أرحم الرا حمين فتبسم من مقالي ثم قال:
إن أخا الهيجاء من يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب زمان صدعك ... بدد شمل نفسه ليجمعك
يا غلام أعطه أربع مائة فقبضتها وانصرفت.
قال المأمون ليحيى بن أكثم: ما العشق؟ فقال: سوانح تسنح للمرء يهيم بها قلبه وتتأثر بها نفسه فقال له ثمامة: اسكت يا يحيى إنما عليك أن تجيب في مسألة طلاق أو محرم صاد صيدًا فأما هذه فمن مسائلنا فقال المأمون قل: يا ثمامة فقال: هو جليس ممنع وصاحب مالك مذاهبه غامضة وأحكامه جارية ... يملك الأبدان وأرواحها. والقلوب وخواطرها. والعقول وألبابها. قد أعطي عنان طاعتها. وقوة تصريفها فقال له: أحسنت وأعطي ألف دينار.
قال في كتاب حياة الحيوان نقلًا عن ابن الأثير في كامل التاريخ في حوادث سنة ستمائة وثلاث وعشرون قال: كان لنا جار وله بنت اسمها صفية، فلما صار عمرها
1 / 11
خمس عشرة سنة نبت لها ذكر وخرج لها لحية.
قال كاتب الأحرف: ونظير هذا ما أورده حمدًا لله المستوفي في كتاب نزهة القلوب وأورده بعض المؤرخين أيضًا: أن بنتًا كانت في قمشة وهي من ولايات أصفهان فزوجت فحصل لها ليلة الزفاف حكة في عانتها ثم خرج لها في تلك الليلة ذكروانثيان وصارت رجلًا وكان ذلك في زمن السلطان الجايتو خدابنده ره.
كتب الصفي الحلي إلى بعض الفضلاء وقد بلغه أنه اطلع على ديوانه وقال لا عيب فيه سوى أنه خال عن الألفاظ الغريبة:
إنما الحيزبون والدردبيس ... والطخا والنقاح والعلطبيس
والغطاريس والشقحطب والسقعب ... والخربصيص والعيطموس
والحراجيج والعقنقس والعفلق ... والطرفسان والعسطوس
لغة تنفر المسامع منها ... حين تتلى وتشمئز النفوس
وقبيح أن يسلك النافر ... منها ويترك المأنوس
إن خير الألفاظ ما طرب ... السامع منه وطاب فيه الجليس
أين قولي هذا كثيب قديم ... ومقالي عفقل قدموس
لم نجد شادنًا يغني قفا نبك ... على العود إذ تدار الكؤوس
أتراني إن قلت للحب يا علق ... درى أنه العزيز النفيس
أو تراه يدري إذا قلت خب ... العير أن أقول سار العيس
درست هذه اللغات وأضحى ... مذهب الناس ما يقول الرئيس
إنما هذه القلوب حديد ... ولذيذ الألفاظ مغناطيس
بعض الأكابر
جميع الكتب يدرك من قراها ... ملال أو فتور أو سآمة
سوى هذا الكتاب، فإن فيه ... بدايع لا تمل إلى القيامة
قال المحقق الزركشي في شرحه على تلخيص المفتاح الذي سماه مجلي الأفراح وهو كتاب ضخم يزيد على المطول وقفت عليه في القدس الشريف سنة تسعمائة واثنان وتسعون وهذه عبارته: اعلم أن الألف واللام في الحمد قيل: للاستغراق وقيل: لتعريف الجنس، واختاره
1 / 12
الزمخشري ومنع كونها للإستغراق، قيل: وهي نزعة اعتزالية، ويشبه أن يقال في تبيين مراد الزمخشري: أن المطلوب من العبد إنشاء الحمد، لا الإخبار به، وحينئذ يستحيل كونها للاستغراق إذ لا يمكن للعبد أن ينشىء جميع المحامد منه ومن غيره، بخلاف كونها للجنس. ومن الكتاب المذكور في بحث اللف والنشر ما صورته: قال الزمخشري في قوله تعالى " ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله "، قال: هذا من باب اللف وترتيبه ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار إلا أنه فصل بين القرينتين الأوليين بالقرينتين الأخيرتين، لأنهما زمانان، والزمان والواقع فيه كشيء واحد، مع إعانة اللف على الإتحاد، ويجوز أن يراد منكم في الزمانين وابتغاؤكم فيهما، والظاهر الأول لتكرره في القرآن. أقول: ما ذكره الزمخشري مشكل من جهة الصناعة، لأنه إذا كان المعنى ما ذكره يكون النهار معمول ابتغاؤكم وقد تقدم عليه وهو مصدر، وذلك لا يجوز. ثم يلزم العطف على معمولي عاملين، فالتركيب لا يسوغ.
الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا صنف رسالة في العشق أطنب فيها المقال، وذكر فيها: أن العشق لا يختص بنوع الإنسان، بل هو سار في جميع الموجودات من الفلكيات والعنصريات والمواليد الثلاث المعدنيات والنباتات والحيوان.
كان لبهرام جور ولد واحد، وكان ساقط الهمة دني النفس، فسلط عليه الجواري والقيان الحسان حتى عشق واحدة، فلما علم الملك بذلك قال لها: تجني عليه وقولي له: أنا لا أصلح إلا لعالي الهمة أبي النفس، فترك الولد ما كان عليه حتى ولي الملك وهو من أحسن الملوك رأيًا وشهامة.
ابن خفاجة
لقد جبت دون الحي كل تنوفة ... يحوم بها نسر السماء على وكر
وخضت ظلام الليل يسود فحمه ... ودست عرين الليث ينظر عن جمر
وجئت ديار الحي والليل مطرق ... ينمنم ثوب الأفق بالأنجم الزهر
أشيم بها برق الحديد وربما ... عثرت بأطراف المثقفة السمر
فلم ألق إلا صعدة فوق لامة ... فقلت قضيب قد أطل على نهر
1 / 13
ولا شمت إلا غرة فوق أشقر ... فقلت حباب يستدير على خمر
وسرت وقلب البرق يخفق غيرة ... هناك وعين النجم تنظر عن شزر
ابن العفيف التلمساني
تحرش الطرف بين الجد واللعب ... أفنى المدامع بين الحزن والطرب
كم ذا اردد في أرض الحمى قدمي ... تردد الشك بين الصدق والكذب
كأنني لم أعرس في مضاربها ... ولم أحط بها رحلي ولا قتبي
ولم أغازل فتاة الحي مأيسة ... في روضها بين در الحلي والذهب
تبدي النفار دلالًا وهي آنسة ... يا حسن معنى الرضا في صورة الغضب
البيت الأخير من هذه الأبيات يحوم حول قول العارف السامي الشيخ نظامي في كتاب خسرو وشيرين:
لكاتب الأحرف
وثورين حاطا بهذا الورى ... فثور الثريا وثور الثرى
ومن تحت هذا ومن فوق ذا ... حمير مسرحة في قرى
ملخص من كتاب الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني من المجلد الخامس منه وهو مما وقفت عليه في القدس الشريف: أعشى همدان هو عبد الرحمن بن عبد الله بينه وبين همدان ثلاثة عشر أبًا وهمدان بن مالك ابن زيد بن نزار بن واثلة بن ربيعة بن الجبار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان.
وكان الأعشى شاعرًا فصيحًا، وهو زوج أخت الشعبي الفقيه والشعبي زوج أخته وكان ممن خرج على الحجاج وحاربه مرات فظفر به وأتي به أسيرًا فقال له الحجاج: الحمد لله الذي أمكنني منك، ألست القائل كذا؟ ألست العامل كذا؟ وذكر له أبياتًا كان قد قالها في هجو الحجاج وتحريض الناس على قتاله، ثم قال له ألست القائل:
وأصابني قوم وكنت أصبتهم ... فاليوم أصبر للزمان وأعرف
وإذا تصبك من الحوادث نكبة ... فاصبر فكل غيابة تتكشف
أما والله لتكونن نكبة لا تتكشف غيابتها عنك أبدًا يا حرسي اضرب عنقه فضربت عنقه وكان قد أسر مدة في بلاد الديلم ثم إن بنتًا للعلج الذي كان أسره أحبته وصالت إليه ليلًا ومكنته من نفسها فأصبح وقد واقعها ثمان مرات، فقالت له: يا معشر المسلمين هكذا
1 / 14
تعملون بنسائكم، فقال: نعم، فقالت: هذا هو العمل الذي به نصرتم. ثم قالت: أفرأيت أن خلصتك أتصطفيني لنفسك؟ فقال: نعم وعاهدها فلم كان الليل حلت قيوده وأخذت به طريقًا تعرفها وهربت معه، فقال في ذلك شاعر من أسراء المسلمين: فمن كان يفديه من الأسر ماله ... فهمدان يفديها الغدة ايورها
الصفي الحلي
ما ملت عن العهد وحاشاي أمين ... بل كنت على البعد قويًا وأمين
لا تحسبني إذا قسي الهجر ألين ... بل لو كشف الغطاء ما ازددت يقين
الفاضل الأديب جمال البلغاء علي بن الحسين المغربي والمصرع الأول هذيان جرى على لسانه وهو محموم.
درن درن درن دبي ... أنا علي بن الحسين المغربي
سناجقي تهيئي عساكري تأهبي ... ها قد ركبت للمسير في البلاد فاركبي
أنا الذي أسد الشرى ... في الحرب لا تجفل بي
إذا تمطيت وفرقعت عليهم ذنبي ... أنا امرؤ أنكر ما يعرف أهل الأدب
ولي كلام نحوه ليس كنحو العرب ... يصانع الفرآء في النحو بجلد الثعلب
ونقصد التثليث في نتف سال قطرب ... فإن سألت مذهبي فذاك خير مذهب
آكل ما أحبه ورغبتي في الطيب ... وألبس القطن ولا أكره لبس القصب
وليس عشقي مثل عشق الجاهل الغرالغبي ... أحب من يحبني لا من غدا معذبي
وكل قصدي خلوة أكون فيها مع صبي ... فنجتلي بنت الكروم أو بني العنب
1 / 15
ونبتذي نأخذ في الشكوى وفي التعتب ... حتى إذا ما جادلي برشف ذاك الشنب
حكمته في الرأس إذ حكمني في الذنب ... ونلت ما أرومه منه ببذل الذهب
هذا هو المذهب إن ... سألتني عن مذهبي
ما أنا ذا ترفض كلا ولا تنصب ... ولا هوى نفسي في الجدال والتعصب
ولا جلست جاثيًا في الجمع فوق الركب ... بين امرىءٍ مصدق وآخر مكذب
كلا ولا فاخرت بالنفس ولا بالنسب ... ما قلت قط ها أنا ولم أقل كان أبي
ولم أزاحم أحدًا على علو منصب ... ولا دخلت قط في عمري بيت الكتب
كلا ولا كررت درسي في ظلام غيهب ... ولا عرفت النحو غير الجر بالمنتصب
كلا ولا اجتهدت في حفظ لغات العرب ... ولا عرفت من عروض الشعر غير السبب
ولا بحثت منه في المجتث والمقتضب ... كلا ولا اشتغلت بالنجوم والتطبب
وليس في المنطق والحكمة أضحى إربي ... وأين مني البحث في البسيط والمركب
والسحر ما عرفته معرفة المجرب ... ولا ربطت ضفدع الماء بصوف الأرنب
ولا كتبت اسم من أهوى بماء الطحلب ... ولا سحرت باللبان مع قشور المحلب
1 / 16
ولا طلبت السيمياء من فتى يسخر بي ... ولست آتي قط في فصل الشتا بالرطب
والكيمياء لم أكن أنفق فيها نشبي ... وليس في التقطير والتكليس أضحى تعبي
ولا طمعت في المحال قط مثل أشعب ... كلا ولا مخرقت للناس لأجل الطلب
ولا ضربت مندلًا لجاهل يمر بي ... ولا حملت طاسة أقرعها بالغضب
كلا ولا أظهرت في المندل رأس قهرب ... ولا دعوت الشيصبان دعوة لم يجب
كلا ولا ذكرته عهد سليمان النبي ... ولم أقل لامرأة في حلقتي قومي اذهبي
ولم أقل بينكم ابن الزنا مخيب ... أريد أن أطرده عني إلى ذي لعب
أوهمهم كيلا يروح جمعهم في شعبي ... ولا كتبت الهذيان شهلب بن سهلب
في كاغد بأحمر وأسود مكتب ... أقول هذا للسلاطين وأهل الرتب
يصلح للمحبوس أو من قد غدا في كرب ... أرد يا قوم به مسافرًا لم يؤب
كتبت فيه دعوة عن ذي العلى لم يجب ... والسر في طلسمه المبغض المحبب
1 / 17
ولا اتخذت حية لأجعلنها سببي ... أقول يا قوم انظروا عندي فنون العجب قد سليبي لها رأس كرأس الأرنب ... قد كان قدمًا صادها في بلد الغرب أبي
كلا ولا بعت المعاجين على الغر الغبي ... أقول أين طالب الباه وراخي العقب
هذا الذي يجعل متن أيره كالخشب ... كلا ولا خاطبتكم بلفظ أهل المغرب
أقول هذا مقصدي إليكم من يثرب ... وقد صحبت حاجة زارت معي قبر النبي
ولم أحدثكم بما لقيته من عجب ... وإنني سافرت في البحر لأجل المكسب
فعاندتنا حوتة تروم كسر المركب ... حتى إذا ما غرق المركب بالتقلب
طفوت فوق ساحة وذو العلى يلطف بي ... ولاح لي جزيرة تلوح مثل كوكب
لما وصلت أرضها بعد العنا والنصب ... صعدت أوعى في رياض أرضها والعشب
أصطاد في صيد طيور أرضها بالقصب ... آكل من ثمارها ما طعمه كالرطب
ومشربي من مائها العذب النمير الطيب ... بينا أنا في صعدٍ من أرضها أو صبب
لقيت شيخًا جالسًا في ظل كرم العنب ... لوح لي بكفه يعني به تقرب
فرحت أمشي نحوه أنظر ما يريد بي ... فسلم الشيخ سلام مؤذن بالرحب
وقال لي اجلس بكلام لفظ غير العرب ... لما هممت بالجلوس صار فوق منكبي
مطوقي منه بساقات بغير ركب ... طويلة مثل السيور أو حبال القنب
ولكاتب الأحرف وهو مما كتبته إلى بعض الأصحاب وكان في المشهد الأقدس الرضوي ﵁:
يا ريح إذا أتيت أرض الجمع ... أعني طوس فقل لأهل الربع
ما حل بروضةٍ بهائيكم ... إلا وسقى رياضها بالدمع
ولكاتب الأحرف وهو مما كتبته إلى بعض الإخوان بالنجف الأشرف:
يا ريح إذا أتيت أرض النجف ... فالثم نائبًا ترابها ثم قف
واذكر خبري لدى عريبٍ نزلوا ... واديه وقص قصتي وانصرف
الصفي الحلي
قيل إن العقيق قد يبطل الس ... حر بتختيمه لسر حقيقي
وأرى مقلتيك تنفث سحرًا ... وعلى فيك خاتم من عقيق
وله وقد أشرف على المدينة المشرفة صلى الله على ساكنها:
هذه قبة مولاي وأقصى أملي ... أوقفوا المحمل كي ألثم خفي جملي لجامع الكتاب:
إن هذا الموت يكرهه ... كل من يمشي على الغبرا.
ويعين العقل لو نظروا ... لرأوه الراخة الكبرى. وله لما حج البيت الحرام وشاهدت تلك المشاعر العظاك:
يا قوم بمكة أنا ذا ضيف ... ذي زمزم ذي منى وهذا الخيف.
كم أعرك مقلتي لأستيقن هل ... في اليقظة ما أراه أم ذا طيف. قال:
مما كتبت إلى والدي طاب ثراه وهو في الهراة سنة ٩٨٩:
1 / 18
يا ساكني أرض الهراة أما كفى ... هذا الفراق بلى وحق المصطفى
عودوا علي فربع صبري قد عفا ... والجفن من بعد التباعد ما غفى
وخيالكم في بالي والقلب في بلبال
إن أقبلت من نحوكم ريح الصبا ... قلنا لها أهلًا وسهلًا مرحبا
وإليكم قلب المتيم قد صبا ... وفراقكم للروح منه قد سبا
والقلب ليس بخالي من حب ذات الخال
يا حبذا ربع الحمى من مربع ... فغزاله شب الغضا في أضلعي
لم أنسه يوم الفراق مودعي ... بمدامع تجري وقلب موجع
والصبر ليس بسالي عن ثغره السلسال
لكاتب الأحرف
إن هذا الموت يكرهه ... كل من يمشي على الغبرا
وبعين العقل لو نظروا ... لرأوا الراحة الكبرى
وله لما حج البيت الحرام وشاهد تلك المشاعر العظام.
يا قوم على مكة هذه أنا ضيف ... ذي زمزم ذي منى وهذا الخيف
كم أعرك عيني لأستيقن هل ... في اليقظة ما أراه أم هذا طيف
مما سمح به الطبع الجامد فيها بين حلب وآمد عند هبوب الرياح في وقت الصباح
مما أنشده الشبلي
خليلي إن دام هم النفوس ... على ما تراه قليلًا قتل
فيا ساقي القوم لا تنسني ... ويا ربة الخدر غني رمل
لقد كان شيء يسمى السرور ... قديمًا سمعنا به ما فعل
من كلام بعض أصحاب القلوب: إنما بعث يوسف على نبينا وعليه السلام قميصه من مصر إلى أبيه، لأنه كان سبب ابتداء حزنه لما جاءوا به جاءوا به ملطخًا بالدم، فأحب يوسف أن يكون فرحه من حيث كان حزنه. قال الحسن بن سهل للمأمون: نظرت في لذات الدنيا فرأيتها مملولة خلا سبعة، خبز الحنطة ولحم الغنم والماء البارد، والثوب الناعم والرايحة الطيبة والفراش الوطيء والنظر إلى الحسن من كل شيء، فقال له: فأين أنت عن محادثة الرجال. قال: صدقت هي أولاهن.
قريب من هذا قول الرضي ﵀
سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماك
آخر
بيض حرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام
يحسبن من لين الحديث زوانيًا ... ويصدهن عن الخنا الإسلام
للتهامي
هل أعارت خيالك الريح سيرا؟ ... فهو يغدو شهرًا ويرتاح شهرا
زارني في دمشق من أرض نجد ... لك طيف سرى تفكك أسرى
وأراد الخيال لثمي فصيرت ... لثامي دون المراشف سترا
1 / 19
واختلسنا ظبآ نجد بأرض الشام ... بعد الرقاد بدرًا فبدرا
فاصرفي في الكأس من رضا بك عني ... حاش لله أن أرشف خمرا
قد كفاني الخيال منك ولو ... زرت لأصبحت مثل طيفك ذكرا
وللتهامي
هي البدر لكن تستر مدى الدهر ... وكان سرار البدر يومين في الشهر
هلالية نيل الأهلة دونها ... وكل نفيس القدر ذو مطلب وعر
لها سيف طرف لا يزايل جفنه ... ولم أر سيفًا قط في جفنه يفري
ويقصر ليلي إن ألمت لأنها ... صباح وهل لليل بقيامع الفجر
أقول لها والعيس تحدج للنوى ... أعدي لبعدي ما استطعت من الصبر
سأنفق ريعان الشبيبة دائبًا ... على طلب العلياء أو طلب الأجر
أليس من الخسران أن لياليًا ... تمر بلا نفعٍ وتحسب من عمري
وله من أبيات يرثي بها ولده
أتى الدهر من حيث لا أتقي ... وخان من السبب الأوثق
فقل للحوادث من بعده ... أسفي بمن شئت أو حلقي
أمنتك لم يبق لي ما أخاف ... عليه الحمام ولا أتقي
وقد كنت أشفق مما دهاه ... فقد سكنت لوعة المشفق
ولما قضى دونه أترابه ... تيقنت أن الردى ينتقي
يعز على حاسدي أنني ... إذا طرق الخطب لم أطرق
وإني طود إذا صادمته ... رياح الحوادث لم تقلق
وله أيضًا
هل الوجد إلا أن تلوح خيامها ... فيقضي بأهداء السلام زمامها
وقفت بها أبكي فترزم أنيقي ... وتصهل أفراسي ويدعو حمامها
1 / 20
ولو بكت الورق الحمائم شجوها ... بعيني محى أطواقهن انسجامها
وفي كبدي أستغفر الله غلة ... إلى بردتيني عليه لثامها
وبرد رضاب سلسل غير أنه ... إذا شربته النفس زاد هيامها
فيا عجبًا من غلة كلما ارتوت ... من السلسبيل العذب زاد ضرامها
خليلي هل يأتي مع الطيف نحوها ... سلامي كما يأتي إلي سلامها
ألمت بنا في ليلة مكفهرة ... فما سفرت حتى تجلى ظلامها
فأبصر مني الطيف نفسًا أبية ... تيقظها عن عفة ومنامها
إذا كان حظي حيث حل خيالها ... فسيان عندي نأيها ومقامها
وهل نافعي أن يجمع الله بيننا ... بكل مكانٍ وهو صعب مرامها
أرى النفس تستحلي الهوى وهو حتفها ... بعيشك هل يحلو لنفس حمامها
أسيدتي رفقًا بمهجة عاشقٍ ... يعذبها بالبعد عنك غرامها
لك الخير جودي بالجمال فإنه ... سحابة صيف ليس يرجى دوامها
الفاضل المحقق أبي السعود أفندي صاحب التفسير والمفتي بقسطنطنية:
أبعد سليمى مطلب ومرام ... وغير هواها لوعة وغرام
وفوق حماها ملجأ ومثابة ... ودون زراها موقف ومرام وهيهات أن يثنى إلى غير بابها ... عنان المطايا أو يشد حزام
هي الغاية القصوى فإن فات نيلها ... فكل مني الدنيا على حرام
محوت نقوش الجاه عن لوح خاطري ... فأضحى كأن لم يجر فيه قلام
آنست بلأواء الزمان وذله ... فيا عزة الدنيا عليك سلام
إلى كم أعاني تيهها ودلالها؟ ... ألم يأن عنها سلوة وسآم
وقد أخلق الأيام جلباب حسنها ... فأضحت وديباج البهاء رمام
على حين شيب قد ألم بمفرقي ... وعاد دهام الشعر وهو ثغام
1 / 21
طلائع ضعف قد أغارت على القوى ... وثار بميدان المزاج قتام
فلا هي في برج الجمال مقيمة ... ولا أنا في عهد المجون مدام
تقطعت الأسباب بيني وبينها ... ولم يبق فينا نسبة ولئام
وعادت قلوص العزم عنها كليلة ... وقد جب منها غارب وسنام
كأني بها والقلب زمت ركابه ... وقوض أبيات له وخيام
وسيقت إلى دار الخمول حمولة ... يحن إليها والدموع رهام
حنين عجول غرها البو فانثنت ... إليه وفيها أنة وضغام
تولت ليال للمسرات وانقضت ... لكل زمان غاية وتمام
فسرعان ما مرت وولت وليتها ... تدوم ولكن ما لهن دوام
دهور تقضت بالمسرة ساعة ... ويوم تولى بالمسائة عام
فلله در الغم حيث أمدني ... بطول حياة والغموم سهام
أسيح بتيهاء التحير مفردًا ... ولي مع صحبي عشرة وندام
وكم عشرة ما أورثت غير عسرة ... ورب كلام في القلوب كلام
فما عشت لا أنسى حقوق صنيعة ... وهيهات أن ينسى لدي ذمام
كما اعتاد أبناء الزمان وأجمعت ... عليه فئام إثر ذاك فئام
خبت نار أعلام المعارف والهدى ... وشب لنيران الضلال ضرام
وكان سرير العلم صرحًا ممردًا ... يناغي القباب السبع وهي عظام
متينًا رفيعًا لا يطار غرابه ... عزيزًا منيعًا لا يكاد يرام
يلوح سنا برق الهدى من بروجه ... كبرق بدا بين السحاب تسام
فجرت عليه الراسيات ذيولها ... فخرت عروش منه ثم دعام
وسيق إلى دار المهانة أهله ... مساق أسير لا يزال يضام
كذا تحكم الأيام بين الورى على ... طرائق منها جائر وقوام
1 / 22