أرانا فرح برنردين دي سان بيار في الكوخ الهندي، وبولس وفرجيني، وشاتوبريان في أتالا، وحدثنا طويلا عن الإسكندر، وبحث نظرية داروين، وتكلم عن الحلقة المفقودة، ولم يهمل شيئا حتى سكان الكواكب، ولكن ليس بتعمق المقتطف؛ فهدفه تنوير العقول وتعريفنا بأحبابه من الكتاب الغربيين مثل جون روسكن، رسول الفنون الجميلة، والمبشر بحب الطبيعة، والمنادي ببدعة ملكة أيار - الاحتفال بعيد الربيع الذي نعظمه اليوم.
يرى روسكن أن الفن ضرب من العبادة؛ لأن الإنسان لا يبلغه إلا بعد فهم الطبيعة وحبها (ص567، سنة ثانية)، أما رأيه الاجتماعي فينحصر في أن سبب الفساد والشقاء هو استبداد أرباب الأموال بالشعب، وحفظهم هذا الاستبداد بواسطة المعامل والآلات.
وينشر قاسم أمين كتابه «المرأة الجديدة»، فينصره فرح ويلخص الكتاب لقراء الجامعة كما يلخص أشهر الكتب العالمية، ويعير هذا الكتاب اهتماما عظيما، فيقابل بين آراء قاسم وجول سيمون. ويموت الحمولي، موسيقي زمانه، فيكتب عنه فرح ويعتبره عظيما، ويتكلم بهذه المناسبة عن الطفل «أريولا» الذي صار موسيقيا في عامه الثاني.
هذا شأن فرح في كل مناسبة تعرض. أما حبه للتمثيل فشديد، وقد كتب عنه كثيرا في الجامعة مناصرا هذا الفن الرفيع، وإن عده الزيات من الأدب الخفيف في مجلة «الرسالة».
وتدخل الجامعة في الحول الثالث، فيصدرها فرح بمقال «تاريخ الأندلس من أوله إلى آخره»، فيستبكي الرافعي، فينظم قصيدة ندية القافية. وكأنما كان أقصى هم فرح تعريف الشرق بالغرب، فيلخص كتيبا لريدر كبلنغ، وينشر مقالات علمية ترمي كلها إلى غرضه، حتى إذا عرف أرنست رنان الشهير، ترجم له ونوه به تنويها عظيما ، ونقل كتابه «حياة يسوع» مع مراعاة مقتضى الحال، متصرفا حتى في عنوان الكتاب، فجاء أشبه بالشبية: «كتاب صلوات وتأملات روحية».
ولم يلهه كل هذا عن شئون مصر وسورية خاصة، والشرق عامة، كما لم يغفل عن نشر سير العصاميين، فكتب سيرة فليكس فور بعنوان: «من معمل الدباغة إلى رئاسة الجمهورية»، ولا ينسى برتلو الكيماوي فيترجم له ويهتف: المجد للعلماء.
ولا يهاب النظر في الشعر، على قلة بضاعته منه، فيحدد حافظ إبراهيم وأحمد شوقي تحديدا جديدا جيدا، ويتكلم عن باكون وشكسبير بإسهاب مبتدئا هكذا: «مشاهير الناس آلهة للناس في هذه الحياة، ولكنهم آلهة لا تعبد إلا بعد الممات.»
وتحتفل فرنسا بذكرى ميلاد هيغو المئوية، فيكتب درسا مطولا يفتتحه بكلمة كاتب دنمركي شهير: «إن ظهور أعاظم الرجال في الأرض منحة إلهية من السماء.» كذا كان ظهورك يا فرح، يرحمك الله.
ويجول في الموضوع جولة صادقة كأنه من كبار النقاد - أقول هذا ولا أشك في أنه ممن طالعوا كثيرا النقد الفرنسي في أهم مصادره - ولا يترك فرح مقالته هذه بلا استنتاج، فيقول لكتاب الشرق وشعرائه: «إن رجلا كهيغو لا ينبت من الأرض، ولا يهبط من السماء، بل هو ينشئ نفسه بنفسه، وذلك بالصبر والعمل والسهر» (ص452، سنة 3).
قلت: هلا يسمع شعراؤنا الذين يريدون أن يكونوا كبارا غصبا عنا!
Unknown page