لقد كان هذا الكتاب من الشعر وحيا وتنزيلا للعرفان والهدى، فالعواطف والأفكار التي تجيش في أبياته لا تكون إلا من نفحات علوية تنعش السماء بها الأرض، كيف لا وناظمها أبو الفضل الوليد قد نشأ مارونيا لبنانيا، وتخرج من مدارس نصرانية كهنوتية فكان معلموه قسيسين ورهبانا، وتغرب في بلاد إفرنجية وأميركية أهلوها لاتين بحورهم تغرق الشرقيين، فمن يصدق أن من هذه تربيته يشعر ويفكر بما لا يدور في خلد عربي مسلم في مكة، إن هذا إلا دليل على أن شعره موحى به إليه ومنزل عليه، فليس هو مسئولا عنه، إنما الله وليه فيما كتبت يده لخير العرب والمسلمين، وقد تدرج حسه حتى حببت العروبة إليه الإسلام وهو روحها وجوهرها.
ثم يختم هذه الصفحة من تاريخ حياته بهذه الكلمة: «فإذا لم يكن نبيا - أي أبو الفضل الشاعر - لا شك بأنه ملهم من خاتم النبيين.»
أما النبوءة فلا، أما الإلهام فهذا فيض من النفس، ونفس إلياس تهدر في أعماقها العروبة ثم تجري أنهارا جارفة في «نفخات الصور»، وليس أصدق من عناوين قصائد هذا الديوان في الدلالة عليه، وهذه هي أولا: «الرؤيا النبوية» وفيها يقول أبو الفضل:
تشوقت حتى زارني الطيف مؤنسا
وأشرق نور الطلعة النبوية
ويبلغ الوليد الجنة فيرى على بابها رضوان لابسا من الإضريج أفخر حلة، ويدخل الجنة ويشرب من رحيق الحور والولدان بأكواب من در وقوارير من فضة، حتى إذا ما توغل في الجنة بلغ حضرة من على العرش استوى، فرأى:
غمامة عليين تستر نوره
ترفع رب العرش عن كل هيئة
ويتحير إلياس في ذلك الموقف ويعجز عن الوصف كما عجز مار بولس من قبل، فيسمع صوتا يناديه: دعوتك فاسمع أنت صاحب دعوة.
وكن منذرا بين الورى ومبشرا
Unknown page