لم أنشر هذه الصفحة المطوية من تاريخ الحبيشي البطرك الماروني (1823-1845) لأقبح عمل ذلك الراعي الصالح، فنحن نعلم أنه لم يفعل في زمانه إلا واجبا دينيا نام بعده مستريحا على رجاء القيامة بالرب، والفوز بالأجر الجزيل، ولكن لنفهم إخواننا «اليائسين» مما يحدث غالبا فيؤخر التقدم المنشود، فلا تقنطوا يا أخوتي من رحمة ربكم، واصبروا فالزمان بطيء السير، وأقدامه تمحو حتى النقش في الحجر، إن تطلبوا مني برهانا، فزيارة البطرك أنطون للمرسلين الأميركان بشخص زعيمهم الدكتور بيار ضودج رئيس الجامعة الأميركية برهاني.
ففي سنة 1826 حرمهم الحبيشي مرتين كما قرأتم، وفي سنة 1830 ذاق أسعد الشدياق غب انضمامه إليهم فمات فتيا، وفي سنة 1837 قال أخوه أحمد فارس: ارفعوا من بينكم فرق المذاهب فذلك أدعى إلى الحظ والسرور ... إلخ، فلم يصدقه أحد.
وفي سنة 1937 أي بعد قرن، زار البطرك أنطون المرسلين الأميركان وشرب الشاي مريئا، لم تنقل الصحف ما قيل هناك، ولكنها نقلت ما قاله الجالس اليوم على الكرسي الذي جلس عليه الحبيشي ربع قرن، وهذا هو كما سمع في بيت سماحة المفتي الجليل الشيخ توفيق أفندي خالد:
الخادم منا السيد، والكبير الصغير، والصغير كبير، وكلنا أخوة، يجب أن يحب بعضنا بعضا حبا صادقا، نحن البشر جميعا انحدرنا من أب واحد، إذن نحن جميعنا إخوان مهما اختلفت مشاربنا ووجهاتنا في الحياة، فكل فرد منا يسعى لتمجيد الله، والله ينظر إلى نفوسنا، علينا أن نحسن أعمالنا وتكون رابطتنا أخوية.
وعدت في مساء ذلك النهار (21 نيسان) إلى عاليه فنظرت إلى قبر أحمد فارس المعزول فرشقته بوردة، أما ضريح أخيه أسعد فلا وصول إليه؛ لأنه في وادي قنوبين. •••
سألني ويسألني كثيرون ماذا عند أحمد فارس حتى تطنب في الثناء عليه هذا الإطناب وتنادي به أبا وزعيما للنهضة، فجوابي إلى هؤلاء كلهم: طالعوا كتب أحمد فارس فهي لا تقرأ من عنوانها، إن في كتب الشدياق لأدبا وعلما وسياسة، ويقولون: والأحماض؟ فأهز برأسي وأعجب من هؤلاء، وفيهم من يدعي سعة الاطلاع، فكأنهم لم يقرءوا من كتب أدباء العرب غير مختاراتها، فلو قرءوها كلها لعلموا أن أحماض أحمد فارس أقل من التي عند «المؤلفين» العرب الذين اتفقت جميع المناهج العربية على تدريسهم.
ما كان أحمد فارس منشئا مقلدا، بل كان كاتبا عمليا مجددا، جريئا إلى أقصى حد، يخطئ الدول العظمى ويعنفها، ويلوم الملوك والسلاطين، ويعالج المجتمع معالجة النطاسي.
إن في كتبه لخيرات كثيرة، وعلى مائدته طعام مختلفة ألوانه يوافق كل ذوق ومزاج حتى أصحاب الحمية منكم.
لا تسألوا المغامر من أية الطرق وصل إلى القمة فهذا لا يعنيكم، كبروا الجرأة والجسارة والجهاد، فليس الفنان من يحمل البركار والزاوية، والذراع والهندازة، الفنان لا يبالي بالمقاييس؛ لأنه هو يخلقها ويتركها بعده للذرية، ليت شعري من علم أيوب وداود وسليمان وأشعيا وأرميا ويوحنا مقاييس الفن.
اقرءوا كتب نابغتكم تعلموا عظمته، ففيه كل سمات الأديب الذي يستحق الدرس والتعظيم، يرحم الله بودلير الشاعر الفرنسي القائل: لا يكون للأمم رجال عظام إلا على كره منها. (4) الشدياق وهيغو
Unknown page