290

Al-Jawhar al-shaffāf al-multaqaṭ min maghāṣāt al-Kashshāf

الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصات الكشاف

بل الله مولاكم وهو خير الناصرين(150)سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين(151)ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين(152) {بل الله مولاكم} أي: ناصركم لا تحتاجون معه إلى نصر أحد وولايته، {وهو خير[19{ الناصرين} فلا أحد ينصر مثل نصره، {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} والخوف قيل: ألقى الله في قلوب المشركين الخوف يوم أحد فانهزموا إلى مكة من غير سبب ولهم القوة والغلبة، وقيل: ذهبوا إلى مكة فلما كانوا بباب الطريق، قالوا: ما صنعنا شيئا قتلنا منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون، ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا ألقى الله في قلوبهم الرعب فأمسكوا {بما أشركوا بالله} أي: بسب إشراكهم أي كان السبب في إلقاء الله الرعب في قلوبهم إشراكهم به آلهة وهي الأصنام التي أرادها بقوله {ما لم ينزل به سلطانا} أي: لم ينزل بإشراكها في ربوبيته، حجة تدل على صحة شركهم، ولم يرد أن هناك حجة حتى ينزلها لأن الشرك لا تقوم عليه حجة، لكن أراد نفي الحجة ونفي نزولها جميعا {ومأواهم النار} أي: مقامهم ومصيرهم، {وبئس مثوى الظالمين} أي: بئس المقام والنصيب مقام الظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي.{ولقد صدقكم الله وعده} وعدهم الله النصر، بشرط الصبر والتقوى ويجوز أن يكون الوعد قوله: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب، فلما فشلوا وتنازعوا لم يخفهم منهم، وقيل لما رجعوا إلى المدينة قال ناس من المؤمنين من أين أصابنا هذا، وقد وعدنا الله النصر فنزلت وذلك أن رسول الله جعل أحد خلف ظهره، واستقبل المدينة، وأقام الرماة على الجبل وأمرهم أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا، أكانت الدولة للمسلمين أو عليهم فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم، {إذ تحسونهم بإذنه} الحس القتل الذريع، أي: تقتلونهم قتلا ذريعا {حتى إذا فشلتم} الفشل الجبن، وضعف الرأي،{وتنازعتم في الأمر} اختلفتم في الرأي، فقال بعضكم قد انهزم المشركون فما موقفنا هاهنا، وقال بعضكم لا نخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن ثبت مكانه عبد الله ابن جبير أمير الرماة في نفر دون العشرة، وهم المعنيون بقوله {ومنكم من يريد الآخرة} من يريد الآخرة عبد الله بن جبير وأصحابه، ونفر أعقابهم ينهبون وهم الذين أرادوا الدنيا، والذين تنازعوا فيه هو الوقوف عند الجبل الذي أمرهم به رسول الله

صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم لا يبرحون منه أبدا {وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون} يعني: وعصيتم في النزول من الجبل، لأمر رسول الله

صلى الله عليه وآله وسلم لكم الزموه من بعد ما أراكم ما تحبون من النصر عليهم والغلبة لهم {منكم من يريد الدنيا} أي: الغنيمة وهم الذين تركوا المركز وأقبلوا إلى النهب، {ومنكم من يريد الآخرة} وهم عبد الله بن جبير، وأصحابه الذين ثبتوا حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قتلوا {ثم صرفكم عنهم} أي: منعكم نصره بهروبكم عن المشركين، وذلك أنهم لما أرادوا النهب، كر المشركون على الرماة فقتلوا عبد الله بن جبير وأقبلوا على المسلمين، وحالت الريح دبورا وكانت صبا حتى هزموهم وقتلوا من قتلوا فذلك قوله {ثم صرفكم عنهم ليبتليكم} أي: ليمتحن صبركم على المصائب، وشأنكم على الإيمان عندها[20{، {ولقد عفى الله عنكم} لما علم من ندمكم على عصيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {والله ذو فضل على المؤمنين} تفضل عليهم بالعفو وهو متفضل عليهم في جميع الأحوال، سواء غلبوا أو غلبوا، لأن الابتلاء رحمة كما أن النصر رحمة.

Page 352