147

وعن الربيع بن أنس أنه قال: الذين يؤمنون بالغيب آمنوا بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه وآمنوا بالحياة بعد الموت. وقيل: الغيب؛ القضاء والقدر. وقيل: كل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار. وقيل: هو الله سبحانه، وضعفه ابن العربي.

وأنت تدري أن مفهوم الغيب يصدق على كل ما غاب عن الحواس، سواء اهتدى إليه الإنسان بعقله أو دله عليه دليل الوحي، فيدخل في ذلك كل ما ذكره المفسرون، كما يدخل فيه كل ما دل عليه القرآن أو تواترت به السنة من أخبار الأمم البائدة، وأحوال الأحداث المستقبلة، فإن الإيمان به إيمان بغير محسوس، بل يدخل فيه التصديق بالعبادات المشروعة المعلومة من طرق الأخبار الثابتة والعمل بها، بدليل ما أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم عن تويلة بنت أسلم قالت:

" صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيليا فصلينا سجدتين، ثم جاءنا من يخبرنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت، فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أولئك قوم آمنوا بالغيب " ".

وما أخرجه البزار وأبو يعلى والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب، قال:

" كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا، فقالوا: يا رسول الله؛ الملائكة، قال: هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها، قالوا: يا رسول الله؛ الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالته والنبوة. قال: هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها. قالوا: يا رسول الله؛ الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء. قال: هم كذلك، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة. قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقوني ولم يروني، يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا " ".

وبما أن الإيمان بالغيب المطلوب هو الإيمان العميق الأثر، القوي التأثير، الذي يقود صاحبه إلى مناهج الخير والصلاح، ويبعد به عن مسالك الشر والفساد، وليس الايمان التقليدي الذي لا أثر له في سلوك صاحبه، ولا تأثير له على وجدانه ومشاعره، وصف الله سبحانه هؤلاء المؤمنين بصفات تدل على التزامهم موجب الإيمان، وتكييف حياتهم بمقتضاه، وذلك بتصديق الإيمان بالعمل.

إقام الصلاة أول صفات المؤمن:

وأول ما وصفوا به من الأعمال التي يلتزمونها تصديقا لايمانهم: إقام الصلاة، لأن الصلاة هي عمود الدين وإمام الواجبات العملية، والمحافظة عليها ركن من أركان الاسلام، ولأجل ذلك تتابع التأكيد عليها في القرآن حتى في أوائل السور نزولا، واقترنت بالترغيب والترهيب.

ففي سورة العلق - وهي أول ما أنزل - يقول تعالى:

أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى

Unknown page