واتصل بالمرأة فسمحت لها بالصعود، وأذعن لرغبة ملحة طارئة فسأل الدكتورة قبل أن تغادره: ما تخصص حضرتك؟
فأجابت وهي تذهب: طبيبة مولدة.
لاحظ أنها قدمت نفسها بصفتها المهنية وبلا ذكر الاسم، فهل هي تزور المرأة بهذه الصفة؟ ... هل المرأة تعاني من مرض نسائي؟ ... أهي حبلى؟ ... ولم يستطع الاسترسال في أفكاره إذ جاءه رجل بدين قصير متجهم الوجه؛ فقدم نفسه بصفته المقاول يوسف قابيل، وطرح السؤال الذي يتكرر: هل بهيجة هانم الذهبي هنا؟
وعقب الاتصال التليفوني المعتاد سمح للرجل بالصعود، والمدير يودعه بابتسامة ساخرة حائرة، ورجع أحد فراشي الفندق من مشوار وهو يرتعد من البرد داخل جلبابه البلدي السميك، فقال: إن الظلام يتراكم في أركان السماء، وإن النهار سينقلب ليلا عما قليل. فألقى المدير نظرة من النافذة الزجاجية، ولكنه كان يفكر بامرأة الحجرة 12، المرأة الغامضة جلابة الضيوف، وخيل إليه أن روحا نفاثة للإثارة والقلق تتسلل في أنحاء الفندق مذ قدمت، وأنه يشعر بها تتسلل إلى زوايا نفسه موقظة بها أحلام المراهقة، وأبهة الآمال الدنيوية الدسمة. وانتبه من استغراقه على صوت يسأل: بهيجة هانم الذهبي هنا؟
رأى رجلا ضخما يرفل في جبة وقفطان، طربوشه جانح إلى الوراء، وبيده مظلة رمادية، قدم نفسه قائلا: بلغها أن سيد الأعمى الحانوتي قد جاء.
انقبض صدر المدير، انكمشت أعضاؤه، لعن الرجل والمرأة معا، ولكنه قام بواجبه فاتصل بها، ولأول مرة يتلقى جوابا مخالفا، فقال للرجل: انتظر حضرتك في الاستراحة.
ماذا جاء يفعل؟ ولم لا ينتظر في الخارج؟ لقد عمل في الفندق زهاء نصف قرن فلم يشهد مثيلا لما يحدث اليوم ، وأخوف ما يخاف أن يهطل المطر، فيضطر الفندق إلى إيوائهم وقتا مجهول المدى، وبخاصة رجل الموت ذاك؟!
وجاء زوار جدد، جاءوا متفرقين ولكن تباعا، صاحب معرض أثاث وبقال وقصاب، وصاحب محل عطور وأدوات زينة، وموظف كبير بمصلحة الضرائب، ورئيس مؤسسة، وصحفي معروف، وتاجر جملة للأسماك، وسمسار شقق مفروشة، ووكيل شخصية عربية من أصحاب الملايين، وظن المدير أن المرأة ستنقل الاجتماع إلى الاستراحة، ولكنها أشارت بالسماح لهم بالصعود، فصعدوا واحدا في أثر واحد، وحملت كراسي جديدة ومضى الفراشون بالشاي، وتساءل المدير ترى كيف يجلس الزائرون، هل يربطهم تعارف سابق؟ وماذا جمعهم على وجه التحديد؟ واستدعى شيخ الفراشين وسأله عن ذلك فأجاب الرجل: لا علم لي بالداخل، الأيدي تتسلم الكراسي، والشاي من زاوية الباب ثم تغلقه فورا.
فهز الرجل منكبيه، وقال لنفسه: إنهم ما داموا لا يشتكون فلا مسئولية علي.
وإذا بسيد الأعمى الحانوتي يقبل نحوه فيقول: أرجو أن تذكر الهانم بأني في الانتظار!
Unknown page