128

Jāmiʿ al-ʿulūm waʾl-ḥikam

جامع العلوم والحكم

Investigator

الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، وزير الأوقاف وشئون الأزهر سابقًا

Publisher

دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع

Edition Number

الثانية

Publication Year

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٤ م

Publisher Location

القاهرة

وقال بعضهم: "خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه على قدر قربه منك".
[مقاما الإخلاص والمشاهدة]:
وقال بعض العارفات (^١) من السلف: "من عمل لله على المشاهدة فهو عارف، ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص".
فأشارت (^٢) إلى المقامين اللذين تقدم ذكرهما:
أحدهما: مقام الإخلاص، وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه، واطلاعه عليه، وقربه منه، فإذا استحضر العبد هذا في عمله، وعمل عليه فهو مخلص لله تعالى؛ لأن استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله، وإرادتِه بالعمل.
والثاني: مقام المشاهدة وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته لله تعالى بقلبه، وهو أن يتنوَّرَ القلبُ بالإيمان، وتَنْفُذَ البصيرة في العرفان، حتى يصير الغيبُ كالعيان.
وهذا هو حقيقة مقام الإحسان المشار إليه في حديث جبريل ﵇.
ويتفاوت أهل هذه المقامات فيه بحسب قوة نفوذ البصائر.
وقد فسر طائفَة من العلماء المثلَ الأعلى المذكور في قوله ﷿: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (^٣). بهذا المعنى.
ومثله قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ (^٤).
والمراد: مَثَلُ نوره في قلب المؤمن.
كذا قاله أبي بن كعب وغيره كما السلف.
* * *
[الإحسان أفضل الإيمان]
وقد سبق حديث: "أفضلُ الإيمان: أن تَعْلَمَ أن الله مَعَكَ حيثُ كنتَ" (^٥) وحديث: "ما تزكيةُ المرء نَفْسَه؟ " قال: "أن يعلم أن الله معه حيث كان" (^٦).

(^١) م: "العارفين".
(^٢) م: "وفيه إشارة".
(^٣) سورة الروم: ٢٧.
(^٤) سورة النور: ٣٥.
(^٥)، (^٦) ص ١٢٣.

1 / 132