فلما كان جار المسجد إذا صلى في غير المسجد مؤديا الفريضة بإجماع الأمة، كذلك عندهم قول النبي صلى الله عليهم وسلم: "لا وضوء لمن يذكر اسم الله على وضوئه"؛ إنما أراد به تضعيفا لثوابه، فعندهم أن هذا من الرسول عليه السلام حث وترغيب لأمته فيما تشرف أعمالهم به. وعندهم أيضا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" أنه عمل وإن لم تكن له نية؛ لأنه ليس في الخبر لا عمل إلا بالنية كما تقول العرب: "الرجل بعشيرته والمرء بقومه والإنسان بنفسه وهو رجل وإن لم تكن له عشيرة"، وهذا على تأكيد الخبر والمجاز. والذي نختاره نحن أن لا يكون متطهرا لوضوء الصلاة أو لغسل جنابة إلا بنية وقصد؛ لأن الوضوء فريضة، والفريضة لا تؤدى إلا بالإرادات وصحة العزائم ونحو هذا، قال خلف بن زياد (¬1) النجراني (¬2) في سيرته عندما أمر به وحث عليه قال: ولتحضركم مع ذلك نياتكم بابتغاء الوسيلة إليه والنجاة عنده في أداء حقوقه واتقاء نهيه؛ لأن الله عز وجل لا يقبل الطاعة ممن أطاعه إلا على ذلك (¬3) من النية؛ لأن كل فعل أوجبه الله على أحد من عباده فمحال أن يكون خارجا منه إلا بأدائه وليس بمؤد له من لم يقصده إلى أداء فرضه. ويجب للمتطهر إذا أراد أن يغسل يده للطهارة من حدث نوم الليل ألا يدخلها في الماء حتى يغسلها ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أن باتت يده" (¬4) ، وهذا عندنا على الندب لا على الفرض يدل على ذلك ما روي في خبر آخر أنه قال عليه السلام: "فإنه (¬5)
¬__________
(¬1) في (أ) ريال .
(¬2) في (ج) البحراني.
(¬3) في (أ) ذكر .
(¬4) تقدم ذكره .
(¬5) في (ج) أنه ..
Page 174