Islam Sharikan
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Genres
محاولات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي بقيت حتى الآن قاصرة وعاجزة. فقد ظهر أن الاندماج في السوق العالمية لم يجلب معه غير الإضرار بالسوق المحلية، والاقتصاد القومي لم يستطع أن يتغلب على حالة التخلف، والإنتاج القومي لا ينمو نموا كافيا ولا يوزع توزيعا عادلا، والشباب يكاد لا يرى في الأفق أي أمل في حياة طيبة ووجود جدير بكرامة الإنسان. (ب)
السخط على الحكومات المسئولة عن تعثر مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعن حرمان الشعب من المشاركة في القرارات السياسية المهمة، وفي تبادل السلطة أو السماح له بذلك في أضيق الحدود. ولا بد أن نقرر، بغير الدخول في موضوع التقاليد الديموقراطية وتاريخها في البلاد الإسلامية، أن الشعوب في هذه البلاد تشعر اليوم بأن الخضوع لهذه الحكومات الفاشلة يمثل عبئا ثقيلا عليها، وأنها لا تكف عن التطلع إلى المشاركة في تحديد مصيرها. (ج)
النظام العالمي الظالم: لقد روجت القوى الغربية التي تهيمن على العالم لعدد من القيم والمثل العليا، مثل حق الشعوب في تقرير مصيرها، والشرعية التي يقوم على أساسها النظام العالمي الجديد. غير أن الواقع يدل على أن هذه القوى لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها الأنانية، وأنها تلجأ عند تطبيق هذه المثل إلى معايير مزدوجة تضر بمصالح الشعوب الإسلامية والعربية. والدليل الواضح على ذلك هو موقفها من مشكلة الصراع في الشرق الأدنى، أو مشكلة الصراع بين العرب وإسرائيل، ولو أمكن التوصل إلى حل لهذا الصراع لكان ذلك الحل بداية تحول نفسي عام.
ولا مراء في أن المآسي التي عاناها مسلمو البوسنة تقدم دليلا جديدا على أن العالم يعامل المعتنقين للإسلام معاملة ظالمة. (6)
إن عناصر الإحباط الثلاثة السابقة ليس لها أدنى علاقة مباشرة بالدين. فجو اليأس والقنوط الذي تخلفه يؤثر في المسيحيين العرب تأثيره في المسلمين سواء بسواء. ولكن من الطبيعي أن يعبر المسلمون عن ردود أفعالهم من خلال المفاهيم المألوفة لديهم والمستمدة من ديانتهم. (7)
لا يمكن الحديث عن حركة متجانسة للأصولية الإسلامية. فالواقع أن هناك اتجاهات وتنظيمات عديدة تكمن وراءها دوافع مختلفة بحيث نستطيع أن نميز بينها ثلاثة اتجاهات رئيسية: (أ)
فالمتطرفون بشكل مطلق يطالبون بنظام إسلامي لإنقاذ العالم. وهم يرفعون شعار التكفير والهجرة ليعلنوا أن المخالفين لهم في الرأي ملحدون، وجميع الدول الراهنة في رأيهم «كافرة»، لأنها جميعا لا تطبق شرع الله. وينبغي، في نظرهم، على جميع المؤمنين أن يوحدوا صفوفهم في جماعة نشطة ويقضوا على الكفر عن طريق «الجهاد» أو الحرب المقدسة. وقد قامت هذه الجماعة في سنة 1981م باغتيال الرئيس المصري أنور السادات. والواقع أن هذا الاتجاه المتطرف ليس له أنصار كثيرون، كما أن الآراء ووجهات النظر التي يتبناها مرفوضة من جانب عدد كبير من المسلمين ذوي التفكير الأصولي. ومع ذلك فإن جرأتهم وصراحتهم تضمنان لهم قدرا من الاهتمام والتأثير الذي يتخطى الدائرة المحدودة لأعضائهم العاملين. (ب)
والاتجاه الثاني يمثله المطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية، فهذا هو الاسم المشترك الذي يطلق على عدد كبير من جماعات الأصوليين وأنصارهم الذين لا يرتبطون في الحقيقة بأيديولوجية واضحة وموحدة. إن الشريعة، في نظرهم، هي التي توفر للمؤمنين نظاما ثابتا ومحددا يهديهم إلى الحق في مواجهة المشكلات الحاضرة؛ لأنها نظام نابع من مصادر إلهية، ولا يشغل أصحاب هذا الاتجاه أنفسهم كثيرا بأن النصوص المقدسة كانت تحتاج دائما إلى التفسير، كما أنهم يرفضون المناقشات المتحذلقة للفقهاء المتقدمين. ومع ذلك فقد تشتعل المجادلات العنيفة في بعض الأحيان حول ماهية الحل الإسلامي الصحيح. ويتفق جمهور الأصوليين في إحساسهم المشترك بأن الإسلام مهدد من الأعداء الذين يريدون القضاء عليه. ومن هؤلاء الأعداء اليهود والمسيحيون (على الرغم من أن هؤلاء يعتبرون من أهل الكتاب، ومن ثم فهم قريبون من الإسلام بحكم انتمائهم لديانة سماوية منزلة) ومنهم كذلك الشيوعيون، وأحيانا الرأسماليون، والعلمانيون، بل إنهم يضعون الوطنيين أيضا في صفوف الأعداء. (ج)
أما الاتجاه الأصولي الثالث، فيمثله أولئك الذين يمكن تسميتهم بالباحثين عن الهوية. وهم لا يعتبرون مخالفيهم في الرأي من الأعداء لمجرد أنهم قد تنكبوا طريق الله، بل لأنهم يطالبون بالتبعية العقلية والحضارية للغرب.
وفي غمرة الشعور القاهر بضرورة التكيف مع نظام عالمي تهيمن عليه المجتمعات الصناعية الحديثة الغريبة عنهم، نجدهم يحسون بالحاجة الشديدة إلى نظام خاص بهم، يميزهم عن كل ما هو أجنبي، ويمدهم بالقدرة على تأكيد ذواتهم، وتشتد هذه الحاجة ويزداد هذا الإحساس لدى المسلمين الذين تضطرهم ظروف حياتهم للحياة بعيدا عن أوطانهم ووسط مجتمعات أجنبية، ولهذا ليس من المستغرب أن ينضم الكثيرون من هؤلاء المسلمين إلى صفوف الحركات الأصولية. (8)
Unknown page