Islam Sharikan
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Genres
تجنب تكوين التكتلات السياسية التي تساعد على تفجر الصراعات المصبوغة باللون الديني. (2)
وأن نعمل على زيادة التفاهم المتبادل وإيجاد الأرض المشتركة بين أتباع الديانات المختلفة بغية التقليل من إمكانات الصراع.
وقد سبق أن أبديت بعض الملاحظات عن الاستراتيجية الأولى، أما عن الثانية فأود أن أشير بصددها إلى النشاط الملحوظ في تبادل المعلومات والخبرات والآراء الذي يطلق عليه في هذه الأيام اسم حوار الأديان.
ويعد حوار الأديان في نظر دوائر واسعة من الرأي العام أمرا جديرا بالثناء، كما أن هناك من يقول إن مساندته «تصرف سياسي سليم» ... ولكن هذه المواقف لا ينبغي أن تقودنا إلى الظن بأنه ليس في حاجة إلى التشجيع. فبينما يحمل مؤيدوه عن طريق الكلام في أغلب الأحيان أفكارا سطحية عنه، نجد من ناحية أخرى مقاومة رهيبة له، وهي مقاومة ترتكز على اقتناعات عميقة الجذور في الوجدان. ونستطيع أن نميز في أصحاب هذا الفريق بين مجموعتين؛ إحداهما ترى أن حوار الأديان عمل عقيم ، والأخرى تخشى أن يؤدي هذا الحوار إلى تخريب الدين الذي تؤمن به. ولنبدأ «حوارنا» معهما بالفريق الأول.
يمكننا أن نميز، بين أصحاب الرأي القائل بعقم الحوار بين الأديان، مجموعتين اثنتين. فالمجموعة الأولى تزعم أن الدين - بما هو دين - شيء لا وزن له، ومن ثم فإن رفض أصحابها للدخول في حوار الأديان هو نتيجة منطقية لموقفهم الذي لا يمكن قبوله من الناحية التاريخية ولا يستحق مجرد مناقشته. أما أصحاب المجموعة الثانية فيحترمون الدين، أو على الأقل دينهم، أشد الاحترام، ولكنهم يرفضون الدخول في حوار مع أصحاب الأديان الأخرى. وقد قام أحد زملائي المستشرقين منذ وقت قريب بنشر كتاب عن تاريخ العقيدة الإسلامية، وهو كتاب بالغ الأهمية يصف المؤلف في مقدمته الحوار بين الأديان بأنه ظاهرة دالة على «روح العصر»، وإن كان هو نفسه لا يحب أن ينخرط فيها أو يلتزم بها. وهو يشرح أسباب هذا الموقف الرافض بقوله: إنه لشيء «مرعب» أن يحاول معلمو الدين «أن يجدوا، أو يخترعوا، أقصى ما يمكنهم إيجاده أو اختراعه من سمات مشتركة بين أديان العالم، وذلك رغبة منهم في إلغاء أسباب التوتر عن طريق الافتعال السطحي للتجانس بينها»؛ ولهذا نجده يقول عن نفسه: «إنه يحجم عن التسرع باكتشاف أوجه تناظر أو تشابه بين كل من الإسلام والمسيحية»؛ لأن مثل هذه المحاولة تقود، من حيث المبدأ، إلى الضلال.
5
يتضح من هذه النصوص المقتبسة أن الآراء التي يعبر عنها أصحاب هذه المجموعة تمتد جذورها في موقفهم الذي ربما لا ينكر وجود سمات مشتركة بين الأديان، ولكنه يعتبر هذه السمات أقل أهمية بكثير من الخلافات القائمة بينها.
إن من الواضح أن الأديان يختلف بعضها عن بعض من وجوه كثيرة اختلافات مهمة. ولكننا لو أمعنا النظر فيها عن قرب لتأكد لدينا كذلك أنها تتحد في عدد من السمات المشتركة ذات الأهمية البالغة. وتصدق هذه الملاحظة على مستوى البشرية بوجه عام، ولكنها تصدق بدرجة أكبر على الأديان الإبراهيمية الثلاثة، وهي اليهودية والمسيحية والإسلام.
إن الدين يستجيب لحاجة عميقة في الإنسان . ولو شئنا أن نعبر عن هذا بمصطلحات الفلسفة الوجودية لقلنا إنها هي الحاجة لقوة الوجود التي تهزم اللا-وجود الذي نلقاه ونعانيه في تجارب الموت، والعذاب، والإخفاق، والظلم، والإثم، وفقدان المعنى. ولو شئنا أن نعبر بلغة بسيطة مألوفة لقلنا إن الدين يستطيع أن يمدنا «بالمعنى الأخير للحياة» ... بمصدر وجودنا وغايته، أي بالإجابة عن السؤالين الخالدين: من أين؟ وإلى أين؟ وهو يستطيع أيضا أن يضمن لنا «قيما عالية ومعايير غير مشروطة ... أي علة مسئوليتنا والهدف منها». والأديان «حريصة على سعادة الإنسان»، وذلك بتقديم التوجه الديني الأساسي؛ أي السند، والعون، والأمل، ومنحنا الكرامة الإنسانية، والحرية الإنسانية، والحقوق الإنسانية ... أي الأساس الذي يرتكز عليه العمق النهائي.
6
Unknown page