Al-intiṣār ʿalā ʿulamāʾ al-amṣār – al-mujallad al-awwal ḥattā 197
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genres
وأما ثانيا: فلأنه إذا كان اللحم منجبرا عليه فليس بأعظم من النجاسات التي اشتمل عليها باطنه كالبول والعذرة والدم، وإنما قال الشافعي: يجبره السلطان لما كان منكرا تجب إزالته فيستعان بالسلطان على دفعه وإزالته إذا لم يكن صاحبه دافعا له؛ لأن الولاية تقتضي ذلك وتوجبه كإزالة سائر المنكرات الشرعية، وإنما خص الإخراج بالسلطان لما كان يتضمن من الإيلام بالقطع، وإيلام الخلق لا يجوز إلا بالولاية، ولا ولاية أعظم من ولاية الذي بيده سلطان الإسلام.
والعجب من تصميم الشافعي على هذا النظر مع علمه بتحقق رحمة الله للخلق وأنه لا يكلف ما ليس في الوسع، وأن مبنى الطهارات على الخفة والسهولة. ويؤيد ما ذكرناه ما سبق من أن عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه، فأمره الرسول باتخاذ أنف من ذهب، ولا فرق بين العظم النجس وبين استعمال الذهب في التحريم، فإذا جاز ذلك جاز هذا من غير تفرقة بينهما. وليت شعري أيما أعظم في نظر الشرع مع الإلتفات إلى القواعد العقلية والإستمرار على القوانين النقلية، هل تقطيع أوصال الإنسان وإيلامه بأنواع الإيلام لغير موجب، أو اغتفار نجاسة عظم قد صار من جملة الأوصال مغمورا باللحم والعصب مع ما تضمنه باطن الإنسان من أضعاف تلك النجاسة! فما قاله الشافعي معوز النظير، فهذا ما أردنا ذكره في بيان الأعيان النجسة.
دقيقة تشتمل على بيان ما يعفى عنه من هذه النجاسات، وجملة ذلك أمور عشرة:
أولها: الطين الذي يكون في الشوارع النجسة الذي يعلق بالخفاف والنعال وأسفل الأقدام بقدر ما يتعذر الاحتراز منه، والضابط لما يعفى منه: هو الذي لا ينسب المتلطخ به إلى تفريط ولا إلى رثاثة الهمة وركتها.
وثانيها: الغبار المنفصل عن السرقين وسائر الأرواث النجسة في الطرقات، فما هذا حاله يعفى [عنه] لكثرة التردد في الطرقات.
وثالثها: دم البراغيث والبق ما قل منه، وهو ما يكون غير سافح كما تقدم ضبطه، سواء كان في ثوبك الذي تلبسه أو ثوب غيرك فلبسته؛ لأن الرخصة حاصلة في الأمرين جميعا.
ورابعها: دم البثرات التي تكون في الوجه في الوجنة والذقن والجبهة وما ينفصل منها من قيح وصديد ودم. وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان في وجهه بثرة فخرج منها دم فصلى ولم يغسل أثرها؛ لأنها ربما شق الاحتراز عنها.
Page 401