271

Intisar

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

والمختار: ما قاله آخرا. وهو القول بإجزائه في الوضوء لما ذكره من التعليل فإنه لا عثار على وجهه، ونزيد هاهنا: وهو أن المعصية إنما تعلقت بنفس الدخول لا بنفس الماء فلم تلاق القربة نفس المعصية فيكون مفسدا للوضوء لتغايرهما، كما لو غصب مطهرة فتوضأ فيها فإن وضوءه يجزيه إذا كان أصل الماء حلالا فافترقا.

الفرع الرابع: يجوز التوضؤ من النهر الذي حفر غصبا ومن ساقية المرأز(¬1) إذا حفرت ظلما، ذكره بعض أصحابنا للمذهب، وهذا جيد لا عثار عليه؛ لأن أصل الماء على الإباحة، والخلل إنما وقع في مجراه، والوضوء إنما هو بالماء دون مجراه، فالمعصية لا تلاقي ما هو طاعة بل هي منحرفة عنها، فلهذا كان مجزيا. والظاهر من كلام المؤيد بالله أن تردده إنما هو في ماء البئر إذا كان مأخوذا من غير رضا صاحبها، فأما النهر فغالب ظني أن كلامه لا يختلف، وأنه يجوز التوضؤ بماء النهر وإن حفر غصبا، والتفرقة بينهما ظاهرة، فإن البئر يمكن إلحاقها بالكوز والقربة فلا يجوز التوضؤ منها إلا مع الرضا من صاحبها. ويتعقل فيها الغصب، ويمكن إلحاقها بالنهر فلا يعقل فيها الغصب، فلهذا تردد نظره في ذلك كما قررناه من قبل، بخلاف النهر فإنه على الأصل في الإباحة، فهو مخالف للبئر كما ترى، وسيأتي لهذا مزيد تقرير في إحياء الموات بمعونة الله تعالى.

قال السيد الإمام المؤيد بالله: وإذا كانت البئر خارج الستر فتوضأ رجل بمائها من غير إذن مالكها فلا بأس، إذا كان الظاهر من حال صاحبها أن لا يمنع من استقاء مائها، فهذا عمل على القول الأول، وقد حكينا عنه قوله الآخر وهو جواز التوضؤ والاستسقاء؛ لأن الظاهر من الأمواء كلها الإباحة، سواء كان بئرا أو نهرا إلا ما خرج بدليل خاص في المنع.

دقيقة: اعلم أن هذه المسألة اجتهادية فالتصويب شامل لجميع القولين، وإنما قضينا بكونها اجتهادية؛ لأن كل واحد من الفريقين ممن منع أو أجاز مشتمل من الظواهر الظنية والأمارات الفقهية من غير إسناد إلى مانع، فلهذا وجب القطع على كونها من مسائل الاجتهاد.

Page 276