الموضع الثاني: أن يكون الاسم بعد أداة الغالب فيها أن يليها فعل، وذلك بعد همزة الاستفهام وما ولا النافيتين، واختلفوا في إن النافية، فسيبويه يرى الرفع بعدها أولى لكثرة دخولها على الجمل الاسمية، والجمهور يسوونها بما ولا، واختلفوا كذلك في أخوات الهمزة من كلمات الاستفهام غير هل.
والأدوات التي ذكروا يغلب أن يقع معناها على الحدث فيتبعها الفعل المتحدث به لا الاسم المتحدث عنه.
ونحن هنا لا نرى جواز النصب والرفع وترجيح النصب، بل نقول: إذا كان المعنى أن تخبر بالفعل وتتحدث به عن فاعله فالحكم النصب، وإذا كان التحدث عن الاسم فالحكم الرفع. وبذلك قال ابن الطراوة من علماء الأندلس، فعنده أن الاستفهام بالهمزة إذا كان عن الاسم، فالرفع واجب؛ مثل: أزيد ضربته أم عمرو؟ وإذا كان عن الفعل فالنصب؛ نحو: أزيدا أكرمته أم أهنته؟ وسبيل الكلام في هذا الموضع: أأكرمت زيدا أم أهنته، فقدم «زيد» من تأخير. وأنت تعلم حرية الجملة العربية وتصرف العرب في تأليفها لما يريدون من المعاني الدقيقة الخاصة.
فهذه الأداوت إنما ترشد إلى حكم الاسم بعدها بقدر ما تبين عنه، من أن السياق لفعل يتحدث به أو اسم يتحدث عنه، وذلك هو مناط الحكم، وإذا رجعت إليه وجدت الفصل في كثير من الخلاف والجدل العنيف.
والموضع الثالث: استمده النحاة من المماثلة اللفظية بين الجمل وانسجام التأليف، فإذا كان الاستفهام السابق أو الحديث المتقدم قد وقع بجملة فعلية، فمن حق الانسجام أن يكون الجواب أو الجملة التالية فعلية. وهذا الانسجام من نظم العربية التي لا يمارى فيها، بل هو أوسع كثيرا مما لمح النحويون. فإذا كان من غرض المتكلم أن يقطع كلامه ويأخذ في حديث جديد فصل الكلام «بأما» وكان الحكم بعدها الرفع.
فقد ترى كيف جمعت الأحكام المتشعبة في هذا الباب إلى أصل واحد نظمها جميعا، ووحد الحكم، وفصل في أوجه الخلاف، وميز بينها تمييزا يعتمد على قرار مطمئن ثابت؛ وذلك بأنه وصل بين حكم اللفظ وبين المعنى، وأبان عن سر العربية في تأليف الكلم والتصرف فيها.
وربما عددت أنا أطلنا في بيان هذا الباب وتفصيل أحكامه، فإن يكن قد بدا ذلك لك، فإنا نخشى أن تكون بعيد العهد بأبحاث الباب، ونرجو أن تعود إليه لتذكر ما فيه من خلاف وجدل، ومن أمثلة فرضت على العربية، وأحكام ضربت عليها، وستعلم بعد مقدار ما أوجزنا ومبلغ ما يسرنا، والله المستعان. (4) المفعول معه
ومن الأبواب التي ردد النحاة فيها الحكم بين النصب وغيره «باب المفعول معه»، ومن أمثلته المشهورة: «سرت والنيل» و«جاء البرد والطيالسة» و«استوى الماء والخشبة».
ويردد النحاة الاسم التالي لهذه الواو، بين أن ينصب مفعولا معه، أو يعرب معطوفا على ما قبله. ويقولون: يترجح النصب إذا تقدم الاسم فعل أو شبهه، وكان في العطف ضعف، وذلك مثل: قمت وزيدا. فإن ضمير الرفع المتصل لا يعطف عليه حتى يليه فاصل، فتقول: قمت أنا وزيد.
ويترجح العطف إذا لم يسبق الاسم فعل؛ مثل: كيف أنت وزيد؟ وما أنت وزيد؟ وإذا لم يكن في العطف ضعف؛ مثل: قمت أنا وزيد.
Unknown page