109

بعد ذلك نراه منسجما مع طبيعة العربية أن يضحى بالتنوين حرصا على علم التأنيث، فتقول: دنيا، وعليا، وفضلى. فهذا واضح في الألف المقصورة، والألف الممدودة هي من المقصورة، فاستصحبت حكمها.

الموضع الثاني:

صيغة منتهى الجموع.

وإنما حذف التنوين منه عندنا لما فيه من معنى التعريف، وقد بينا من قبل أن العرب تريد بالمنكر الفرد الشائع والواحد من المتعدد، فإذا قصدت إلى الإحاطة والشمول جعلته من مواضع التعريف. ورأينا ذلك في «ال» التي يجعلونها للاستغراق والإحاطة، ويجيء الاستثناء بعدها، قال الله تعالى:

والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا (العصر: 1-2-3)، ورأينا تعريف الاستغراق كذلك بعد «لا النافية». وهذا واضح في الجمع إذا أريد به الاستغراق وشمول جميع الأفراد، والنحاة يقولون: إن هذه صيغة منتهى الجموع ففيها معنى الاستغراق وتمام الإحاطة.

والذي نرى هنا: أنه إذا قصد بالجمع الاستغراق والدلالة على الإحاطة منع التنوين؛ لما فيه من معنى التعريف على طبيعة العربية ومجراها في التعريف والتنكير، فإذا لم يقصد إلى الاستغراق والإحاطة فالاسم منون. وقد نقل الإمام الرضي «أن من العرب من ينون هذه الصيغة مختارا.» وهذا تصديق ما قلنا من أن الأمر في التنوين وتركه منوط بإرادة الشمول أو عدمه. فهذا حكم التنوين فيما لا ينصرف.

أما إعرابه بالفتحة نيابة عن الكسرة، كما يقول النحاة، فقد أشرنا إليه من قبل عند الكلام في العلامات الفرعية، وتستطيع الرجوع إليه.

خاتمة

والحمد لله أي حمد؛ فقد تم ما أردت بيانه ، واطمأننت أني أقدم للقارئ فكرتي في النحو، وفي إعراب الاسم، مكتوبة مسواة ملمومة النواحي، وأمنت أن تعصف عاصفة، فتذرها مذكرة في جذاذ، أو طرفا من فكرة في نفس مستمع.

لقد حرصت على الإيجاز، وطرحت من تفصيل المسائل ما خشيت أن يغطي على الفكرة، أو يباعد بين أطرافها، وآثرت أن أرسل هذا البحث خاصا بإعراب الاسم؛ لأن ذلك أدنى إلى بيانه، وأبعث على درسه، ولأن إعراب الاسم يقوم منفردا مستقلا في بحثه وبيانه عن إعراب الفعل، ولأني أرجو أن أجد من نقد الناقدين، وبحث الباحثين، ما عسى أن أنتفع به في درس الفعل، أو عرضه من بعد.

Unknown page