Refinement of Rulings: Commentary on the Book of Essential Rulings
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام
Publisher
مطبعة السنة المحمدية
Genres
Hadith Studies
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
وَالظَّاهِرِيَّةُ أَخَذُوا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي تَقْدِيمِ الطَّعَامِ عَلَى الصَّلَاةِ. وَزَادُوا - فِيمَا نُقِلَ عَنْهُمْ - فَقَالُوا: إنْ صَلَّى فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. وَأَمَّا أَهْلُ الْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ: فَإِنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى الْمَعْنَى، وَفَهِمُوا: أَنَّ الْعِلَّةَ التَّشْوِيشُ، لِأَجْلِ التَّشَوُّفِ إلَى الطَّعَامِ. وَقَدْ أَوْضَحَتْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَهِيَ قَوْلُهُ " وَأَحَدُكُمْ صَائِمٌ " فَتَتَبَّعُوا هَذَا الْمَعْنَى. فَحَيْثُ حَصَلَ التَّشَوُّفُ الْمُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْحُضُورِ فِي الصَّلَاةِ قَدَّمُوا الطَّعَامَ. وَاقْتَصَرُوا أَيْضًا عَلَى مِقْدَارِ مَا يَكْسِرُ سُورَةَ الْجُوعِ. وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ: يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ طَعَامًا خَفِيفًا. وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُوَسَّعٌ. فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ التَّوْسِعَةِ فَصَحِيحٌ، لَكِنْ لَيْسَ بِمَحِلِّ الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ. وَإِنْ أُرِيدَ التَّوْسِعَةُ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ. فَفِي الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَنْ ضَيَّقَ وَقْتَ الْمَغْرِبِ جَعَلَهُ مُقَدَّرًا بِزَمَانٍ يَدْخُلُ فِي مِقْدَارِ مَا يَتَنَاوَلُ لُقَيْمَاتٍ يَكْسِرُ بِهَا سُورَةَ الْجُوعِ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مُوَسَّعًا إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ. عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ: أَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ. وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي وَجْهِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَانِ فِي كُلِّ حَالٍ. وَهَذَا صَحِيحٌ، إنْ أُرِيدَ بِهِ: أَنَّ حُضُورَ الطَّعَامِ - مَعَ التَّشَوُّفِ إلَيْهِ - عُذْرُ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ تَقْدِيمِ حُضُورِ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ. فَإِنَّهُمَا لَمَّا تَزَاحَمَا قَدَّمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْوَسِيلَةَ إلَى حُضُورِ الْقَلْبِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَالْمُتَشَوِّقُونَ إلَى الْمَعْنَى أَيْضًا قَدْ لَا يَقْصِرُونَ الْحُكْمَ عَلَى حُضُورِ الطَّعَامِ. بَلْ يَقُولُونَ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَعْنَى. وَهُوَ التَّشَوُّفُ إلَى الطَّعَامِ. وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا: أَنَّ الطَّعَام إذَا لَمْ يَحْضُرْ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَيَسِّرَ الْحُضُورِ عَنْ قَرِيبٍ، حَتَّى يَكُونَ كَالْحَاضِرِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ: فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَاضِرِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، وَهُوَ مَا يَتَرَاخَى حُضُورُهُ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ
1 / 178