وكانت نعمى تعرف رجلا من معارف زوجها، وكانت سنه تتجاوز الستين، فبعثت إليه وحضر من فوره، وعرضت عليه نعمى الزواج من رؤيا، وقبل.
ونهضت نعمى إلى غرفة رؤيا، وألبستها، وعطرتها، ورجلت شعرها، وجاءت بها إلى هذا الذي رشحته لزواجها، وعادت رؤيا شابة بها فتنة وسحر، وقعدت يتأملها خطيبها وقد أشرق وجهه بالسرور.
وتم الزواج، بعد أن قبل الشرط الوحيد الذي شرطته رؤيا، وهو ألا تبرح منزل أمها نعمى، وقبل زوجها هذا الشرط، وعاش ثلاثتهم شهورا إلى أن ماتت نعمى وهي هانئة بهناء رؤيا.
الفصل الثامن عشر
اختلفوا على الجهاز
... ووجدتهم جميعا ساهمين صامتين، كأنهم في مأتم وليسوا في عرس، وعندما قلت السلام عليكم لم أسمع رد التحية إلا من ثلاثة أو أربعة!
كنت موظفا في مركز بمديرية الغربية، وكنت على أحسن وأسعد ما أحب، ولكن المعاكسات الصغيرة التي يعتادها الموظفين جعلت مقامي في هذا المركز جهنم؛ فإن زميلا لي كان قد جعل دأبه أن يناقرني مناقرة الضرتين، وكان يمشي بالنميمة بيني وبين زملائي من سائر الموظفين، وانتهيت إلى أنني يجب أن أسعى وأنتقل إلى مركز آخر، وكانت وظيفتي صغيرة، فلم يكن انتقالي صعبا؛ لأن أمثالي يعدون بالمئات في المراكز، ويسهل الاتفاق مع أحد الموظفين على أن نتبادل مكانينا، ووجدت هذا البدل بسرعة موفقة، وكان المركز الذي نقلت إليه في مديرية البحيرة نائيا نحو الصحراء الغربية.
ومع أني وجدت صعوبات غير قليلة في المسكن والمأكل، فإني وجدت بعد نحو شهر سيدة أرملة تؤجر الدور الثاني من منزلها بأجر صغير، وعاينت المكان، ودرست الوسط، ووجدت أنه يوافقني، ونقلت كل ما أملك من أمتعة إلى مسكني الجديد.
وكانت هذه السيدة الأرملة تشتري لي كل حاجاتي، وأحيانا تطبخ لي ما تشتهيه نفسي، ووجدت في الموظفين الذين تعرفت بهم أنسة جديدة، تقارب الصداقة، لم أكن أعرف مثلها في مركزي السابق في مديرية الغربية.
وكان يزورنا من وقت لآخر في مكتبنا في المركز مزارع يملك نحو عشرة فدادين، وكان ينفق علينا بسخاء ويسهر معنا، وكان يشرب الخمر بلا حساب، وكان مجونه ومزاحه يغلبان على حديثه.
Unknown page