261

فإن قيل: كثيرا ما يتكرر أن عدم الدليل لا يدل على عدم المدلول فكيف تستدلون بعدم الدليل على جوازها في غيرهم على عدم الجواز؟. قلنا: عدم الدليل لا يدل على عدم المدلول في الأمور العقلية، وأما في الشرعية فيدل وإلا لجوزنا تكاليف شرعية كثيرة ولا دليل عليها وفيه هدم الشرائع وبطلان التكاليف وأنه محال، وإذا علمنا إجماع الأمة على جواز الإمامة في البطنين، وأنه قد اختلف فيمن عداهم ولم يدل دليل على جوازها فيه علمنا وجوب قصرها فيهم وعدم تعديها في غيرهم لأن الأمة إجماعهم حجة واجبة الاتباع ومحرم مخالفتها لقوله تعالى{ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}(النساء:115)وقوله صلى الله عليه وآله وسلم(لا تجتمع أمتي على ضلالة)، إلى غير ذلك مما هو مقرر في مواضعه وذلك ظاهر لمن أنصف، فثبت بذلك الدليل القطعي حصرها فيهم عليهم السلام دون غيرهم من الناس، وبطل ما قاله المخالفون. وأما الدليل على أن طريقها الدعوة دون غيرها كما زعمه المخالفون على اختلاف أقوالهم وهو أن الأمة أجمعت على اعتبار معنى الدعوة الذي ذكرناها في حق الإمام إلا أصحاب النص وقد بطل قولهم فيتعين الحق في قول من عداهم ولا دليل يدل على اعتبار (أمور زائدة) على الدعوة من العقد والاختيار والإرث والجزاء والقهر، وما لم يقم عليه دليل لم يجز إثباته لأنه يفتح باب الجهالات، ثم أنا نقول لأهل العقد والاختيار نظرنا في كتاب الله فوجدنا فيه قوله تعالى{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}(المائدة:03) ونظرنا في السنة فوجدنا فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(ما تركت شيئا يقربكم إلى الجنة إلا دللتكم عليه... الخبر) ومقتضى هذا قد وجدناه فإن الشارع علمنا كل أمر حتى قضاء الحاجة، فكيف يقال بأنه ترك بيان أهم شيء في الدين وأعظمه وهو الإمامة، ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يهمل أمته في حال حضوره ولا تركهم بلا زعيم مختار لهم في كل غيبة فأحق وأولى أن لا يهملهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لو كانت بالعقد والاختيار لما جاز لأبي بكر أن يجعلها في عمر من غير شورى ولا جاز لعمر أن يجعلها في ستة مخصوصين، ولأن قولكم في أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوهم استخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، وهم يقولون هم الذين استخلفوه، ولذلك قيل أن أبا بكر لما كتب إلى أسامة بن زيد كتابه الذي يقول فيه: من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أسامة بن زيد، أما بعد، فإن المسلمين ولوني على أنفسهم، فإذا قرأت كتابي هذا فاقدم أنت ومن معك. أجابه أسامة بكتابه الذي يقول فيه: من أسامة بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بكر بن أبي قحافة، أما بعد، فإنك كتبت إلي كتابا ينقض آخره أوله، فلو كنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تحتج إلى ولاية المسلمين ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي وقد أمرني عليك فمن أمرك علي بعده. فخل المكان لأهله والحق بموضعك الذي أمرك به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

Page 315