Idah Fi Sharh Misbah
كتاب الإيضاح في شرح المصباح
Genres
وقد دلت الدلالة القطعية على قصرها في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جلب النفع، ألا ترى إلى قوله تعالى{ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(غافر:18) ونحوها كيف نفى الله الشفاعة لهم على العموم وإثبات ما نفاه الله تعالى يكون تكذيبا له وردا لكلامه وذلك لا يجوز بلا خلاف بين المسلمين، فلو شفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد من هؤلاء الظالمين لأدى ذلك إلى أحد باطلين، إما أن يطاع وتقبل شفاعته فيكون ذلك تكذيبا للآية وإبطالا لمعناها، وإما أن لا يطاع فيكون ذلك إسقاطا لمنزلته صلى الله عليه وآله وسلم وخرطا للإجماع المنعقد على أن شفاعته مقبولة في ذلك اليوم ومخالفة للمقام المحمود الذي وعده الله تعالى أن يبعثه فيه. ويدل على ذلك أيضا: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(ذخرت شفاعتي لثلاثة من أمتي رجل أحب أهل بيتي بقلبه ولسانه، ورجل قضى لهم حوائجهم لما احتاجوا إليه، ورجل ضارب بين أيديهم بسيفه) وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(من آذاني في أهل بيتي فقد آذى الله ومن أعان على أذاهم وركن إلى أعدائهم فقد أذن بحرب من الله ولا نصيب له في شفاعتي) وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي ولن أشفع لهما سلطان غشوم وغال في الدين مارق) وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن أقربكم مني غدا وأوجبكم علي شفاعة أصدقكم لسانا وأحسنكم خلقا وأداكم لأمانته وأقربكم من الناس) فكل ذلك يوضح ما ذهبنا إليه ويبطل ما اعتمده المخالف.
ودليل آخر عقلي: لاشك أن صاحب الكبيرة مسخوط عليه وأن الله تعالى قد تبرأ منه وعاداه ونفى الإيمان عمن يواده بقوله تعالى{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله...الآية}(المجادلة:22)،فلو شفع له النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكان قد رضي عمن سخط الله عليه، ولكان قد والى وأحب من تبرأ الله منه وعاداه، ومن ظن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا من ذلك فقد ارتكب عظيما. ثم يقال للمرجئة هل يحسن من الإنسان أن يدعو إلى الله أن يدخله في شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإن قالوا لا، خالفوا الإجماع، وإن قالوا نعم، قلنا فهل يحسن منه أن يدعو إلى الله تعالى أن يميته فاسقا حتى يشفع له النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإن قالوا: نعم خالفوا الإجماع والمعقول.
وإن قالوا: لا يحسن.
قلنا: قد ثبت أن شفاعته عليه الصلاة والسلام لا تكون لفاسق، ثم يقال لهم ما يقولون في رجل حلف بطلاق نسائه وعتق عبيده وإمائه وصدقه ماله ليفعلن ما يستحق به الشفاعة شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هل يؤمر بالبر والإحسان أم يؤمر بفعل العصيان؟ فإن قالوا بالثاني خرجوا من الدين ومما عليه جميع المسلمين، وإن قالوا بالأول ثبت ما ذهبنا إليه من أن الشفاعة لا تستحق إلا بالإيمان. قالوا ورد الاستثناء في قوله تعالى{وأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك}(هود:106،107).
Page 248