Idah Fi Sharh Misbah
كتاب الإيضاح في شرح المصباح
Genres
الجواب: أنا لم نجعل الشرع مثبتا لما قد أدركه العقل فإن في العقل غنية عنه، بل لأنا لا نهتدي إلى أمر المنعم ونهيه بما شاء أن يستأدي منا شكره إلا بالأنبياء، وأما ما ذكروه في نحو ذبح البهائم فإن العقل لم يحكم بقبحه إلا لاندراجه تحت ماهية الظلم الذي هو ماهية القبح، وإنما كان ظلما لتعريه عن النفع والاستحقاق فلما أباحه الشرع علمنا أنه قد ضمن لها عوضا يقابله فارتفع عنه حقيقة الظلم فزال القبح لزوال علته وهذا غير مصادم للعقل وإنما يكون مصادما له لو رفع قبح الظلم أصلا الذي قضى به العقل وليس كذلك فهذا كلام في النبوءة جملة . وأما نبوة نبيئنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أن من أنكر الصانع أنكر نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأما المقرون بالصانع فاختلفوا، فالذي عليه أهل الإسلام قاطبة وكثير من الفرق الخارجة عن الإسلام (أن النبي) صلى الله عليه وآله وسلم نبي صادق وأنه يجب علينا تصديقه واتباع ما جاء به من قول أو فعل أو تقرير. والخلاف في ذلك مع اليهود والنصارى والباطنية والمطرفية، واشتهر إنكار عبدة الأوثان وغيرهم من كفار الجاهلية نبوته صلى الله عليه وآله وسلم، أما النصارى فإنهم يقولون: أنه لم يظهر عليه معجزة فلم يكن نبيا. وأما اليهود فهم أكثر من خالفنا في هذه المسألة ولهم أقوال، منهم من قال: أنه لم يكن نبيا لأنه أتى بنسخ شريعة موسى ونسخ الشرائع لم يقض به العقل ولا السمع. ومنهم من قال: لم يكن نبيا لأنه أتى بنسخ شريعة موسى وقد قضى السمع بعدم جواز ذلك لما يروونه من قول موسى عليه السلام شريعتي لا تنسخ أبدا وإن أجاز ذلك العقل. ومنهم من قال: لم يكن نبيا لعدم ظهور المعجزة عليه، ومنهم من قال: أنه مرسل إلى العرب دون العجم وهؤلاء يسمون العيسوية وهم من أماثلهم، ولليهود شريعة مخالفة لشريعة الإسلام، منها أنهم لا يزوجون إلا بحضرة (ثلاثة شهود) ولا يزوجون إلا على مائتي قفلة للبكر والثيب لها النصف من ذلك، ولهم طهور مخصوص وهو أن الواحد منهم إذا أراد الطهور غسل بدنه ثلاثا واستنشق ثلاثا واستنثر واحدة وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه واحدة واحدة وتمضمض ثلاثا وغسل رجله اليسرى ثلاثا ورجله اليمنى ثلاثا وغسل يديه ثلاثا، ولهم صيام من غروب الشمس إلى غروبها، ولهم تكليف في يوم السبت إذا عصى الواحد منهم فيه لم يكن له حد إلا القتل. وأما المطرفية: فإنهم وإن تظاهروا بالإقرار بنبوته فهم منكرون كونه مبعوثا بعثه الله على الحد الذي نقوله لأن منهم من يقول إن النبوة يفعلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لنفسه فمن شاء كان نبيا، ومنهم من قال هي جزاء على العمل، ومنهم من قال هي حكمة وتسمية. وأما الباطنية: فعندهم أن النبوءة مادة ترد من السابق على قلب من وقعت للتالي به عناية وأن المعجزات ظهرت على يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما اختص به من العلم بطبائع الأشياء وخواصها وأنها من قبيل الحيل.
والدليل على ذلك المذهب الصحيح وهو القول بصحة نبؤة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن المعجز على كثرة اختلاف أجناسه ظهر على يديه عقيب دعوى النبوءة .
قال في الأساس: حقيقة المعجز ما لا يطيقه بشر ولا يمكن التعلم لإحضار مثله ابتداء سواء دخل جنسه في مقدورنا كالكلام أم لا كحنين الجذع. وقال في الخلاصة: حقيقته هو الفعل الناقض للعادة المتعلق بدعوى المدعي للنبؤة ومجموع الحدين قد أفاد شروطه الأربعة:
الأول أن يكون من فعل الله كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وأما فتق الحبل ونحوه فالمعجز في الحقيقة هو إقداره على ذلك وهو من فعل الله .
Page 204