لقد كتبنا وأملينا الشرائع الإلهية والإنسانية ونحن نقف واجمين خائفين مما كتبنا.
يعيش واحدنا ثلاثين سنة صابرا على أوجاعه وهو يعتقد أن تجلده مقاومة وكفاح، في حين أنه لو أطلق على هيكل تفكيره قبضة من البارود المشتعل لاستنبت على أحد القبور زهرة ناضرة.
وكنت وأنا أتفوه بهذه الكلمات أصوب السكين إلى بريجيت، وألقي رأس النصل على صدرها، وبت فاقدا رشدي كالمحموم، ورفعت الغطاء لأهدي السكين إلى منبض قلب خليلتي، فإذا بصليب صغير من الأبنوس يلتمع بسواده بين نهديها، وإذا بي أتراجع مذعورا وقد تراخت أناملي عن مقبض السلاح فسقط من يدي.
وكانت عمة بريجيت هي التي أعطتها هذا الصليب في ساعة احتضارها، وما كنت قد رأيته على صدرها قبل هذه المرة، ولعلها علقته في عنقها عندما عزمنا على السفر كتعويذة تقيها الأخطار.
وشبكت كفا بكف فجأة والتوت ركبتاي، فإذا أنا راكع أهتف والارتعاش يهزني: أكنت هنا، يا سيدي؟ أكنت هنا وأنا لا أدري؟
ليقرأ هذه الصفحة من لا يؤمنون بالسيد المسيح، لقد كنت أنا أيضا لا أؤمن، فما كنت ارتدت المعابد لا بأيام الطفولة ولا بأيام المدرسة، ولا عندما أصبحت رجلا، فلم يكن لديني - لو صح أن تدعى عقيدتي دينا - رموز ولا طقوس؛ إذ لم أكن أعتقد إلا بإله لا وحي منه ولا طرق لعبادته؛ لأنني تسممت منذ مراهقتي بآداب العصر، ورضعت من أثدائه ما درت على الناس من عقيم الإلحاد، فكانت الكبرياء البشرية إلهة الأنانية تمنع فمي أن يتفوه بالصلاة، فتندفع روحي في ارتياعها طالبة العزاء في الكفر والجحود.
وبت كالثامل قد أضاع رشده عندما رأيت رمز المسيح على صدر بريجيت، فتراجعت منها مذعورا لا لإيماني، بل لعلمي بأنها تؤمن به.
وقفت يدي وما شلت لرهبة سنحت عبثا، كنت في الليل منفردا وحدي ولا تراني عين إنسان، فما كانت معتقدات الناس لتنال من روعي، وكنت أملك تحويل عيني عن هذه القطعة الخشبية، بل أملك القبض عليها وإلقاءها في الرماد، ولكنني بدل طرحها هي طرحت سلاحي.
إن ما شعرت به في تلك اللحظة نفذ إلى أعماق روحي ولما يزل مستقرا حتى اليوم فيها.
ما أشقى الناس الذين يهزءون بما يمكنه أن ينقذ حياة إنسان! وما يهم الاسم والشكل والإيمان. أفليس كل ما هو صالح مقدسا؟ فبأية قحة يتطاول المخلوق على خالقه؟
Unknown page