112

Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

٢- من تلقى عليهم العلم

١١٨- لم يكن التلقى فى عصر ابن تيمية من أفواه الرجال فقط كما كان الشأن فى عصر أبى حنيفة ومالك؛ بل كان تلقى العلم، كما هو فى عصر تدوين العلم من ناحيتين، من الرجال يوجهون ويلقنون، ويتخرج العالم عليهم، ومن الكتب يدرسها ويفحصها وينقب فيها؛ ومن مجموع ما يتغذى مما يتناوله من شيوخه؛ وما يستخرجه من بطون الكتب تتكون المادة العلمية التى يبنى عليها، ويستنبط منها، ويزيد عليها؛ وقد يأتى بلون آخر من ألوان الفكر، مادته الأولى فيما درس.

وقد تهيأ لابن تيمية مدرسة علمية فى صدر حياته على أكمل مثال، وكان أول موجه له أبوه، فقد كان عالماً جليلاً له كرسى فى المسجد الجامع بدمشق؛ وله مشيخة الحديث فى بعض مدارسه، فنشأ فى معدن العلم، ووجد الموجه الذى يلازمه، وهو أشفق الناس به وأحناهم. استمر ملازماً لأبيه إلى أن بلغ الحادية والعشرين حيث توفى ذلك الموجه الكريم؛ وفى أثناء تلك الملازمة التى جمعت أقوى قرابة، وصلة الروح والفكر كان يتصل بالعلماء، ويتلقى عن كل شيخ من شيوخ دمشق أخص ما امتاز به، ولقد جاء فى كتاب العقود الدرية ما نصه: ((شيوخه الذين سمع منهم أكثر من مائتين، وسمع مسند الإمام أحمد عدة مرات، وسمع الكتب الستة الكبار والأجزاء، ومن مسموعاته معجم الطبرانى، وهكذا سمع كتب السنة التى كانت معروفة فى عصره من شيوخ الحديث، وجاء فى كتاب الكواكب الدرية ((لقد سمع غير كتاب على غير شيخ من ذوى الروايات الصحيحة العالية، أما دواوين الإسلام الكبار كمسند الإمام أحمد، وصحيح البخارى ومسلم وجامع الترمذى، وسنن أبى داوود السجستانى، والنسائى، وابن ماجه، والدار قطنى فإنه سمع كلا منها مرات عدة، وأول كتاب حفظه فى الحديث الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدى.

111