Ibn Ḥazm ḥayātuh wa-ʿaṣruhu ārāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
Publisher Location
القاهرة
قد انتفع بها، ونهل منها، وإنها لما انتهبت لم تحرق بل أخذها الناس وربما يكون قد ناله منها حظ ليس بالقليل، ثم إنها قد استنسخ منها الكثير، ولم تذهب إذن المعلومات التي فيها بدداً، إذ لم تغرق بنهر ولم تحرق بنار.
١٢٢ - وإن المغزى في الأمر أو الكتب العلمية المختلفة وأن ثمرات الفكر الإسلامي كانت في الأندلس، سواء أكانت في خزائن الخلفاء والأمراء أم كانت بأيدي الناس، يتبادلون قراءتها، وينسخون منها ما شاءوا أن ينسخوه.
وليست العبرة بالكتب وحدها بل بالعلماء يتدارسون ما احتوت عليه ويبنون ويخرجون ويستنبطون منه. وقد كان حظ الأندلس من ذلك وفيراً، فإن الأندلس كان بها جمع من العلماء في القرنين الرابع والخامس الهجريين، قد أوجدوا فيها بيئة علمية جمعت بين المنقول والمعقول، وبين علم السلف وعلم الخلف بقدر مناسب، حتى كانت الأندلس شخصية علمية، وإن رسالة ابن حزم في علماء الأندلس تعطينا صورة عن هؤلاء العلماء الذين كونوا للأندلس تلك الشخصية العلمية الرائعة، ولنقتبس بعض عبارات منها:
(( بلدنا هذا على بعده من ينبوع العلم، ونأيه من محلة العلماء قد ذكرنا من تأليف أهله ما إن طلب مثلها بفارس والأهواز. وديار مضر وربيعة واليمن والشام أعوز وجود ذلك، على قرب المسافة في هذه البلاد من العراق دار هجرة الفهم وذويه، ومراد المعارف وأربابها (١). ثم يوازن رضي الله عنه بين بعض المشهورين في الأندلس، ونظرائهم في المشرق فيقابل بين الآثار، ويقرر أنه لا يوجد رجل يعد من مفاخر الشرق إلا كان له نظير من مفاخر الأندلس، فالبخاري يناظره بقي بن مخلد. والقفال الشافعي تلميذ المزني بالشرق يقابله قاسم بن محمد بالأندلس تلميذ المزني أيضاً، والمزني تلميذ الشافعي، وهكذا تجري المقابلات مما يدل على أن الأندلس كان بها
(١) نفح الطيب جـ ٢ ص ١٢٤ طبع الأزهرية.
101