71

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ويظهر أنه كانت له دكاكين يؤجرها، فقد جاء في حلية الأولياء ما نصه:

((وقع من يد أحمد بن محمد بن حنبل مقراض في البر، فجاء ساكن له، فأخرجه، فلما أن أخرجه ناوله أبو عبد الله مقدار نصف درهم أو أقل أو أكثر، فقال: المقراض يساوي قيراطا، لا آخذ شيئا، خرج، فلما كان بعد أيام قال له: كم عليك من كراء الحانوت؟ قال كراء ثلاثة أشهر، وكراؤه في كل شهر ثلاثة دراهم، فضرب على حسابه، وقال أنت في حل))

فهذه القصة فوق دلالتها على أن أحمد ما كان يحتمل منة، وأنه كان يجزي عن المعروف أضعافا - تدل على أنه كان له حوانيت وأنها كانت تدر عليه غلة، وإن كانت لا تجعله في بحبوحة من العيش تسد خلته، وتدفع حاجته والأخبار متضاربة على أنها لم تكن كبيرة، بل كانت ضئيلة، ولقد ذكر ابن كثير مقدارها، فقال:

((كانت غلته من ملك له في كل شهر سبعة عشر درهما، ينفقها على عياله، ويتقنع بذلك رحمه الله صابرا محتسبا)) وهذه غلة قليلة بلا ريب، وسواء أصح ذلك المقدار الذي رواه ابن كثير، أم لم يصح، فالأخبار متضافرة على أنها كانت ضئيلة لا تكاد تكفي حاجته، لولا فرط القناعة والصبر، واستعداده لأن يطلب عيشه بالكد والتعب، ولقد كان يحرص كل الحرص على أن يكون مورد رزقه حلالا من غير شبهة، ولذلك يعلن أن ذلك العقار الذي كان يدر عليه ذلك الرزق المحدود يغلب على ظنه أنه ملكه عن أبيه حلال، ولو ادعاه شخص لسلمه إليه، ولذا جاء في المناقب لابن الجوزي ما نصه:

((سأل رجل أحمد بن حنبل عن العقار الذي كان يستغله، ويسكن دار منه كيف سبيله عنه، فقال له هذا شيء قد ورثته عن أبي، فإن جاءني رجل، فصحح أنه له خرجت عنه، ودفعته إليه))

٧٠- كان هذا القدر اليسير من المال يتقنع به، ويحمد الله عليه، ولا يرضى معه أن يأخذ من أحد عطاء، ولا أن يقبل منه معونة، ولقد كانت تشتد به الحال أحيانا، إذ لا تكفي تلك الغلة لنفقات عياله، وتنزل به العسرة فكان يتحملها صابرا، وكانت تلك العسرة تشتد، وتعلو عن الاحتمال إذا كان في سفر، وانقطع منه الزاد، فكان لا يهن ولا يضعف، ويتعب جسمه أيضا في سبيل راحة نفسه.

70