Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
معيشة أحمد وبيته
٦٧- سردنا حياة أحمد العلمية، فذكرناه طالبًا للعلم والحديث يتنقل في الأقاليم الإسلامية، وشاديًا في العلم، وعالمًا قد جلس للدرس والتحديث، وإمامًا يُقتدى به، ويُسلك سبيله، وذكرنا تلك الرياح العاتية القاسية التي عرضت لنفس أحمد في حياته العلمية، فأزعجتها، وفصلنا القول في ذلك تفصيلًا.
ولم نتعرض لموارد رزق أحمد كيف كانت معيشته، أكان في بسطة من العيش أم كان يعيش عيشة القل أو الكفاف، وما كان مورد رزقه؟ سواء أكان قليلًا أم كثيرًا؟ ثم أكان يقبل هدايا الخلفاء ويستطيبها كما كان يفعل مالك وأبو يوسف، ومحمد، أم كان يتعافاها كأبي حنيفة، أم كان بين ذلك قوامًا كما كان يفعل الشافعي رضي الله عنه؟
هذه أسئلة تتقاضانا أن نجيب عنها، وأن نبينها بإيجاز، ولذلك سنتكلم في حاله ومورد رزقه، ثم ما كان منه بالنسبة لهدايا الخلفاء، ومن يتصل به قبل المحنة وبعدها.
٦٨- عاش أحمد فقيرًا مكدودًا محدودًا، ولم يعش مجدودًا ذا مال وفير وكان يؤثر الخصاصة على أن يكون ذا مال لا يعرف أنه حلال خالص، أو يكون فيه منة العطاء، وكثيرًا ما كانت تضطره حاله أن يعمل بيديه ليكسب، أو أن يؤجر نفسه في عمل يعمله إذا انقطع به الطريق، ولم يكن معه مال، وكان يؤثر ذلك على أن يقبل عطاء، فإن العطاء في مثل هذه الشدة، ومن يعجز عن مكافأته في زمن قريب لا يستطيع أن يتحمله أحمد العيوف الأبي، وقد حرر بذلك نفسه، وأتعب جسمه، وتلك كانت حاله دائمًا، عند ما يتردد بين تعب النفس، وتعب الجسم.
٦٩- كان أحمد يعيش من غلة عقار قد تركه له أبوه، فقد جاء في المناقب لابن الجوزي في هذا المقام:
((كان أحمد رضي الله عنه قد خلف له أبوه طرزا، وكان يأكل من غلة تلك الطرز، ويتعفف بكراتها عن الناس)) (١)
(١) جمع الطرز جمع طراز ككتاب وكتب، والطراز الموضع الذي ينسج فيه الثياب فيظهر أن أحمد ورث هذه الطرز كان يستأجرها.
69