101

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

قدمها، وذهبت إلى مجلسه، فقالوا: قد خرج إلى طرسوس، وتوفي سنة إحدى وثمانين ومائة.(١)

١٠٥- ولذلك وجب علينا أن نلم إلمامة موجزة بحياة هذين الإمامين لنعرف وجه المشاكلة بينهما وبين أحمد، وأن أحمد اتخذهما أستاذين له من سيرتهما، ومروياتهما، وكان يتلاقى معهما في أكثر ما اختط لنفسه من سلوك في هذه الحياة.

أما أولهما فسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو فقيه محدث كان بالكوفة، وعاصر أبا حنيفة، وكان الفقه يغلب على أبي حنيفة بأقيسته واستحسانه، والحديث والسنة يغلبان على سفيان باتباعه واقتدائه. ووقوفه عند المنقول لا يحدوه، وقد اشترك مع أبي حنيفة في مجافاة ذوي السلطان، والابتعاد عن تولي القضاء، وإذا كان لأبي حنيفة بعض التشيع على نحو ما بينا في حياته، فقد كان سفيان خالياً من ذلك تماماً على محبة لعلي، ولكن وضعه في منزلته من الزمان، ولقد عرف عنه أنه كان في الشام يذكر مناقب علي، حيث لا شيعة له وفي العراق يذكر عثمان، حيث لا ناصر له، ويذكر مناقب عمر وأبي بكر بالكوفة، ويذكر مناقب علي عند الناصبية الذين ناصبوه العداء هو وذريته رضي الله عنهم.

ولقد وجدنا سفيان يعيش من ميراث له آل إليه من عم له كان يقيم ببخارى، فناله حلالاً، عف به عن طلب المال في ذلة، وعن قبول هدايا الخلفاء جملة، ولعل أحمد كان يحاكيه في الاكتفاء بأكل غلات ماله الموروث، وإن كان ما ورثه أحمد قليلاً، وما ورثه سفيان لم يكن قليلاً، بل كان كثيراً فيما يبدو من مجموع أخباره.

ولقد كان غليظ القول مع الخلفاء، لا يخشى في الله لومة لائم، التقى بأبي جعفر المنصور في المسجد الحرام، فأخذ أبو جعفر بتلابيبه، وواجه الكعبة، وقال له برب هذه البنية، أي رجل رأيتني؟ فقال: برب هذه البنية بئس الرجل رأيتك.

ولقد طلبه للقضاء فتحامق، حتى لا يوليه لحمقه، ثم فر هارباً، واستمر في هروبه، حتى تولى المهدي، ولم تكن حاله معه خيراً من حاله مع أبيه، كان يفاجئه بكلمة الحق المرة، في وقت قد استساغ فيه كلمات الثناء واستمرأها، لقيه في الحج، فقال له:

(١) المناقب ص ٥٢٠

100