Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
أوسع من مداهم، وإن تلك المشاكلة جعلتهم قريبين من نفسه، فتتبع مروياتهم، وكان بها عليما.
فلقد وجدنا في تراجمه أن عبد الرحمن بن مهدي كان يقول عن أحمد رضي الله عنه: ((هذا أعلم الناس بحديث سفيان الثوري))، (١) ثم وجدنا إبراهيم بن إسحاق الحربي يجعل بعد الصحابة سلسلة من التابعين وتابعيهم حفظوا السنة، فقال في هذه السلسلة: ((سعيد بن المسيب في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه، وأحمد بن حنبل في زمانه))، (٢) فسفيان يعد وسط السلسلة وأحمد نهايتها، وإن أحمد لم يلتق بسفيان، ولم يتلق عنه مباشرة بل تلقى علمه عن طريق تلاميذه، وعلم رواياته عن طريق من أخذوها عنه، ولكن المشاكلة النفسية بينهما قرنتهما في سلسلة واحدة.
وهناك شخصية أخرى تتقارب وتتشابه مع أحمد، وهي شخصية عبد الله بن المبارك رضي الله عنه، فلقد قال في ذلك أحمد بن الحسن الترمذي: ((ما شبهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في سمته وهيئته))، (٣)
١٠٤ - وإذا كان الرواة المعاصرون الذين عاصروا الرجال الثلاثة قد عقدوا تلك الصلة الرابطة بين أحمد وهذين الإمامين الجليلين، وأحمد قد أدرك عصرهما، فقد مات ثانيهما، وهو يافع قد أخذ أهبته لطلب الحديث، ونال منه بعضاً في مجلس هشيم وأخبار العلية من العلماء تصل إلى الشباب من الطلاب، وتودع نفوسهم محملة بخيال رائع يثير تفكيرهم، وتجعلهم يسعون إليهم، ورب شاب جذبه إلى علم معين سمعة العالم فيه، وما يثيره خيال الشباب نحوها.
ولقد وجدنا أحمد عندما ابتدأ يدرس تتطلع نفسه إلى لقاء ثاني الأمامين، ولكن المنية عاجلته، فلم يتمكن من لقائه، ولذلك جاء في المناقب لابن الجوزي أن أحمد بن حنبل قال: ((طلبت العلم، وأنا ابن ست عشرة سنة، وأول سماعي من هشيم، سنة تسع وسبعين ومائة، وكان ابن المبارك قدم في هذه السنة. وهي آخر قدمة
(١) الحلية جـ ٩ ص ١٦٤
(٢) الحلية ص ١٦٦
(٣) ص ٦٦ من مقدمة المسند طبع المعارف.
99