ثم هم أول الخلائق في القضاء، لا في الحشرة بدليل ما صححه الحاكم عن عبد الله بن سَلاَم ﵁ قال: إِذَا كانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ، يَبْعَثُ اللهُ الْخَلِيْقَةَ أُمَّةً أُمَّة، وَنبِيَّا نبِيًّا، حَتَّىْ تَكُوْنَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ آخِرَ الأُمَمِ مَرْكَزًا، ثُمَّ يُوْضَعُ جِسْرٌ عَلَىْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُنادِيْ مُنادٍ: أَيْنَ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ؟ فَيَقُوْمُ، فتَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ - بَرُّهَا، وَفاجرُها -، فَيَأْخُذُوْنَ الْجِسْرَ، فَيَطْمِسُ اللهُ تَعَالَىْ عَلَىْ أَبْصارِ أَعْدائِهِ، فَيتَهافَتوْنَ فِيْها مِنْ شِمالٍ وَيَمِيْنٍ، وَينْجُوْ النَّبِيُّ ﷺ وَالصَّالِحُوْنَ مَعَهُ، مَعَهُمُ الْمَلائِكَةُ تُبَوِّئُهُمْ مَنازِلَهُمْ فِيْ الْجَنَّةِ: عَلَىْ يَمِيْنكَ، عَلَىْ يَسارِكَ، حَتَّىْ يَنتهِيَ إِلَىْ رَبِّهِ. الحديث (١).
فدل ذلك على أن النبي ﷺ هو وأمته آخر الأمم في البعث والحشر؛ لئلا يطول موقفهم ومشاهدتهم للأهوال، ثم هم أول الأمم في القضاء، فيقضى لهم أول الناس، لتثبت عدالتهم على رؤوس الأشهاد، فتقبل شهادتهم على سائر العباد - وهذه نكتة لطيفة جدًا - وليقضى عليهم يوم القيامة، ويخف هوله عليهم بقضاء ما بينهم، وليعجل لهم ثوابهم من الله تعالى؛ لأنهم أشد الأمم شوقًا إليه، وأتمهم محبة له، وأقواهم إرادة لوجهه تعالى.
ومن هنا ينبغي أن نشرع في مقصود الكتاب، والله الملهم للصواب.
(١) رواه الحاكم في "المستدرك" (٨٦٨٩)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٥/ ٤٨٥). قال ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (٢/ ٢٧٧): هذا موقوف على ابن سلام.