عثرت على صندوق اللعب بعد دقائق من البحث. لقد كان عبارة عن قطعة ثقيلة من الأثاث، له أرضية من الخشب، وجوانبه على هيئة أعمدة ملتفة. ثم وجدت عربة الأطفال. احتفظ والداها بكل شيء؛ لأنهما كانا يتطلعان لإنجاب طفل آخر، غير أن أمها عانت من إجهاض حملها لمرة أو أكثر. وكانت الضحكات التي تملأ فراشهما في صباح أيام الآحاد، تشعر جولييت كما لو أن المنزل قد احتله نوع من الإزعاج الخفي، بل والمخزي الذي لا يروق لها على الإطلاق.
كانت عربة الأطفال من ذلك النوع الذي يمكن طيه وفرده، كان هذا شيئا نسيته جولييت أو ربما لم تكن تعرف بوجوده. وعليها الآن بعد أن تصبب منها العرق وعلاها الغبار أن تعمل لكي تتمكن من فردها. لم تكن هذه المهمة هينة بالنسبة لها، ولم تكن تجيد فهم طريقة تركيب الأشياء معا على نحو سريع، كان بإمكانها أن تقوم بجرها لأسفل، وتذهب إلى الحديقة، وتطلب مساعدة سام، لولا أنها فكرت في آيرين؛ آيرين وعينيها الباهتتين المختلجتين، ونظراتها الحادة غير المباشرة، ويديها الماهرتين، ومراقبتها التي شابها شيء لم تستطع القول بأنه قد ينطوي على الازدراء. لم تعرف جولييت ما الذي يمكن أن يوصف به ذلك؛ إنه سلوك ينم عن اللامبالاة، وينطوي في الوقت نفسه على التصلب والعناد كأسلوب القط تماما.
استطاعت جولييت أخيرا أن تقوم بفرد عربة الأطفال. كانت ثقيلة الوزن، وتكاد تكون أكبر من حجم العربة التي اعتادت عليها بمرة ونصف، وكانت متسخة بالطبع. وبينما هي تجلس بمفردها الآن، وبينيلوبي تحبو على الدرج، وإلى جوار يد الطفلة كان هناك شيء لم تلاحظه جولييت، كان هناك مسمار؛ فهو من بين تلك الأشياء التي لا تلاحظها حتى يكون عندك طفل في مرحلة التقاط الأشياء ووضعها في الفم، ويكون عليك أن تراقبه طوال الوقت.
لكنها لم تكن تراقبها؛ فكل شيء كان يشتت انتباهها؛ الحرارة، وآيرين، وتلك الأشياء المألوفة والأخرى غير المألوفة و... «أنا والقرية». •••
قالت سارة: «كنت آمل ألا تلاحظي. لا تأخذي الأمر على محمل الجد.»
أصبحت الغرفة المشمسة الآن هي غرفة نوم سارة، وكانت الستائر المصنوعة من الخيزران المعلقة على كل النوافذ تلقي على الغرفة الصغيرة - التي كانت يوما جزءا من الشرفة - ضوءا أصفر داكنا، وحرارة معتدلة. وبرغم هذا، كانت سارة ترتدي منامة من الصوف وردية اللون، وقد بدت لجولييت بالأمس في المحطة بحاجبيها الرفيعين المحددين بالقلم، وأحمر شفاهها المائل إلى الحمرة، وبقبعتها وحلتها وكأنها امرأة فرنسية عجوز (بالرغم من أن جولييت لم تر الكثير من النساء الفرنسيات المتقدمات في العمر)، لكنها تبدو الآن بشعرها الرمادي المسترسلة خصلاته، وعينيها اللامعتين اللاهثتين تحت حواجب تكاد تكون مختفية، وكأنها طفلة عجوز غريبة الشكل. كانت تسند ظهرها إلى الوسائد والألحفة تغطيها حتى وسطها، وعندما صحبتها جولييت إلى دورة المياه قبلها بفترة اكتشفت أن سارة ترتدي جوارب قصيرة وخفا وهي في فراشها بالرغم من أن الطقس كان حارا.
بجوار فراشها وضع مقعد مستقيم الظهر؛ حيث كان من الأيسر لها أن تصل يدها إلى قاعدته بدلا من المائدة، وقد وضعت عليه أقراص وزجاجات من الدواء، وبودرة تلك، وسائل مرطب، وقدح من الشاي بالحليب الذي شرب نصفه فقط، وكوب به بعض من بقايا أحد المقويات داكنة اللون، ربما كان الحديد. وأعلى الفراش مجموعة من المجلات؛ نسخ قديمة من مجلة فوج، وليديز هوم جورنال.
قالت جولييت: «أنا لا آخذه على محمل الجد.» «لقد قمنا بتعليقها بالفعل، وكانت موضوعة في البهو الخلفي بجوار باب غرفة المعيشة، ثم أنزلها أبوك.» «لم؟» «لم يقل لي شيئا بشأنها، لم يخبرني بأنه سيفعل ذلك، وذات يوم لم أجدها في مكانها.» «ولم أنزلها من على الجدار؟» «أوه، ربما لديه أفكار ما بشأنها.» «أي نوع من الأفكار هذه؟» «أوه، أعتقد أنه شيء له علاقة بآيرين؛ فربما تسبب بعض الإزعاج لآيرين.» «إنها لا تحوي أي رسومات عارية؛ فهي ليست كلوحات بوتيتشيلي.»
بالفعل كانت توجد لوحة له تحمل عنوان مولد فينوس، معلقة في غرفة المعيشة الخاصة بسام وسارة، وكانت مثار التندر في المناسبات التي يدعون فيها بعض المدرسين إلى العشاء. «لا، ولكنها «حديثة»، وأعتقد أنها لا تشعر أباك بالراحة، أو ربما ينظر إليها من وجهة نظر آيرين، وهو الأمر الذي جعله يشعر بالانزعاج، أو لعله خشي أن تشعرها بنوع من الازدراء تجاهنا؛ بمعنى أن تشعر بأننا قد نكون غريبي الأطوار، وهو لا يحب أن تعتقد آيرين ذلك.»
قالت لها جولييت: «تقصدين نوع الأشخاص الذين يضعون هذا النوع من اللوحات؟ تعنين أنه يهتم إلى هذه الدرجة بما تعتقده آيرين في لوحاتنا؟» «أنت تعرفين أباك.» «إنه لا يخشى الاختلاف مع الأشخاص. ألم تكن تلك هي المشكلة التي يواجهها دوما في عمله؟»
Unknown page