204

Tārīkh al-adab al-Andalusī (ʿAṣr al-Ṭawāʾif waʾl-Murābiṭīn)

تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين)

Publisher

دار الثقافة

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

بعد ذهاب إخوانه، وكان بذلك يعبر عن " قيمة الموت " أي يهون وقعه على نفس الشاعر التي تفرق من الموت وتحاول الهرب من شبحه المخيف، وارتاح الشاعر حين بكى، ووجد في " أخيه "؟ أو صنوه - الجبل عزاء وودعه وهو أقوى نفسا على مواجهة مصيره.
وأما قصيدته في القمر فقد أثارتها في نفسه غربته، فجعل يتأمل هذه الدورة التي تعتري القمر بالنقصان والكمال، والاختفاء والظهور، وحفزه ذلك إلى مناجاة من " خلا بنفسه يفكر، ونظر نظر الموقف يعتبر "، ونسب هذه المناجاة إلى القمر نفسه فقال (١):
لقد اصخت إلى نجواك من قمر ... وبت أدلج بين الوعي والنظر ولكن القمر ظل صامتا على خلاف الجبل الذي وجد فرصته في السرد والحديث، فاستمد الشاعر في هذه المرة عظة من الصمت:
وإن صمت ففي مرآك لي عظة ... قد أفصحت لي عنها ألسن العبر
تمر من ناقص حورا، ومكتمل ... كورا، ومن مرتق طورا، ومنحدر
والناس من معرض يلهى، وملتفت ... يرعى، ومن ذاهل ينسى، ومدكر
تلهو بساحات أقوام تحدثنا ... وقد مضوا فقضوا، انا على الاثر
فان بكيت، وقد بكي الجليد، فعن ... شجو يفجر عين الماء في الحجر فليس للمنظر الطبيعي؟ أعني القمر - من قيمة جمالية في نفس الشاعر، وإنما هناك هذه الصورة التي تربط بين الطبيعة وما تثيره من شعور بالفناء، وفي هذه الوقفة بكى الشاعر فرقا من الموت وخوفا على الحياة، ولم يجد العزاء في فناء القمر مثلما وجده في فناء الجبل.

(١) المصدر نفسه: ١٣٠.

1 / 210