200

Tārīkh al-adab al-Andalusī (ʿAṣr al-Ṭawāʾif waʾl-Murābiṭīn)

تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين)

Publisher

دار الثقافة

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

يفيد منها من يتأمل في شعر ابن خفاجة وصورة عامة.
وأما ثانيا: فان ابن خفاجة نشأ في عهد ملوك الطوائف فلم يمدح أحدًا منهم وليس له في ديوانه إلا قصيدة واحدة في المعتصم ابن صمادح، وانه تذوق في حياته معنى الاكتفاء بصيغة كانت له يومئذ، حتى إذا أقبل عهد المرابطين وجدنا شعره يستفيض في مدحهم وتذكيرهم بأمره، وهو يتشبت بالبارزين من رجالهم. وفي هذا نجد في حياته مرحلتين: أولاهما توفره على المجون وحياة اللهو وتفترن هذه الفترة بالابتعاد عن ذوي السلطان، والثانية فترة توبته ونسكه، وهذه تتسم بشيء من إحساسه بالضعف البشري وتعلقه برجال الدولة، دون إراقة لماء الوجه في سؤال شيء من جهتهم. ولو كان الأمر كذلك فحسب لكان موقفه طبيعيا بسيطا، ولكن: لقد أقر ابن خفاجة بأن في حياته مرحلة من التوقف التام عن قول الشعر: " ولما انصدع ليل الشباب عن فجره، ورغب المشيب بنا عن هجره، نزلت عنه (أي الشعر) مركبا، وتبدلت به مذهبا، فأضربت عنه برهة من الزمان الطويلة، اضطراب راغب عنه زاهد فيه، حتى كأني ما سامرته جليسا، يشافهني أنيسا، ولا سايرته أليفا، يفاوهني لطيفا " (١) . ويتفق تاريخ عودته لقول الشعر مع دخول الأمير المرابطي أبي إسحاق إبراهيم بن أمير المسلمين وناصر الدين هاهنا أيضا حالة نفسية ذات أثر في الإبداع الفني، عانى كثير من الشعراء أمثالها، ولكن من اطلع على ديوان ابن خفاجة رأى قريحته وقد عادت تفيض فيضا بعد ذلك الأجيال؟ الذي زعم الشاعر انه كان إراديا -

(١) ديوان ابن خفاجة: ٧.

1 / 206