صورة على حدة، لتمثل كلها في النهاية شغفا خاصا بالجو المعطر. ومما اعتقد أنه من قصائده الأندلسيات، قصيدة له مطلعها (١):
نشر الجو على الأرض برد ... أي در لنحور لو جمد فقد أوجد المشابهة بين البرد والدر، ثم أخذ يحلل هذا المعنى في عدة أبيات لاحقة، فزعم أن هذا الدر لؤلؤ وان أصدافه هي السحب، وانها منحته منحة دون تعب، إذ أن المعروف عن اللؤلؤ انه لا ينال إلا بالغوص، وفي ذلك ما فيه من النكد، وخيلت الصورة للغيد أنها ترى لؤلؤا حقيقيا، فكادت تتسارع إلى لقطة، كي تحلي أجيادها، وهي حالية بما وهبها الله من غيد طبيعي، ثم إن البرد ذاب فتلقته الأرض بخدها، لأنه سقط من عيون السماء، فأخذ يجري في سيول كأنها ثعابين تتطارد متسابقة، وامتلأت به الغدران فأخذ يعلوها الزبد كأنه قوارير سابحة. والشيء الجديد في هذا المنظر هو متابعة الصورة في اتساق كامل حتى يصل بها الشاعر إلى غايتها وفي أثناء ذلك يتمحل ضروبا من التعليل والتخيل والتوليد:
لؤلؤ أصدافه السحب التي ... انجز البارق منها ما وعد
منحته عاريا من نكد ... واكتساب الدر بالغوص نكد
ولقد كادت تعاطى لقطة ... رغبة فيه كريمات الخرد
وتحلي منه أجيادا إذا ... عطلت راقتك في حلي الغيد
ذوبته من سماء أدمع ... فوق أرض تتلقاه بخد
فجرت منه سيول حولنا ... كثعابين عجال تطرد
وترى كل غدير متاق ... سبحت فيه قوارير الزبد
(١) المصدر نفسه: ٧٧.