ليس «العقل » وطريقته في التفكير العلمي حكرا على هذا العصر وحضارته، بل هو جزء من الفطرة البشرية ، كثيرا ما يجعلونه أقوى أجزاء تلك الفطرة دلالة على ما يتميز به الإنسان دون سائر الأجناس والأنواع الحية، إذ قد نجد بقية الأجزاء مشتركة بين الإنسان وهذا أو ذلك من صنوف الحيوان، بل ومن صنوف النبات وما دونها من خلايا أولية بسيطة التركيب، لكن العقل وطريقته في التفكير لا يشترطان موضوعا بذاته ليتحقق لهما الوجود الفعلي، ومن هنا رأينا العصور المتولية بما قد ظهر فيها من حضارات وثقافات، لم تخل قط من ميادين معينة يتناول الإنسان العاقل موضوعاتها بمنطق العقل، فتصبح أقرب من سواها إلى ما نسميه ب «العلم»، وهل كان يمكن لمهندس العمارة المصري القديم أن يقيم ما شيده من هياكل ومقابر وغيرها، دون أن يكون متضمنا في علمه فكرا علميا بأدق معنى لهذه العبارة؟ وهل كان اليوناني القديم ليلجأ إلى قوة في نظرته أصلح من منطق العقل ليرد ظواهر الوجود إلى عللها الأولى كما حاول أن يفعل، وهل كان العالم العربي ليستخدم أداة غير أداة العقل ومنطقه، وهو يقيم علوم اللغة والفقه والرياضة والفلك والكيمياء وغيرها؟ لكن عصرنا هذا - مع تلك السوابق كلها على طول التاريخ البشري - قد جاء لتكون له طريقة متميزة مما عداها، في إعمال فكره العلمي، وهي طريقة استخدامه للأجهزة ابتغاء مزيد من الدقة والقدرة، وابتغاء الوصول إلى مزيد من أنواع الأجهزة ذاتها، حتى لنجد في حالات كثيرة أن تتوالى من النوع الواحد «أجيال» متعاقبة، كل جيل منها يتفوق على سابقه، وبهذا يصدق القول بأن معنى «التقدم» في العلوم، هو تقدم في أجهزته، فإذا رأيت فردا من الناس، أو شعبا من الشعوب، يستخدم في حياته العملية أدوات قد فات أوانها، وحلت محلها «أجيال» بعد أجيال من بدائل لها، أيسر استخداما، وأسرع إنتاجا، وأدق تحقيقا لما تصنعه، وصفنا ذلك الفرد، أو الشعب ب «التخلف» عن عصره، دون تجن على حقوقه، أو افتئات على كرامته.
بهذه التصورات وأمثالها، عاد صاحبنا إلى بلده في الثلث الأخير من أربعينيات القرن، بقلب ينبض بالحنين، وبعقل يدرك أهدافه، وبإرادة تتوثب تصميما وعزيمة.
رؤية واضحة «2»
لم يكن صاحبنا هازلا كل الهزل، عندما أرسل من غربته الدراسية إحدى مقالاته «الأدبية» التي كان يشحنها بانفعاله، ويبعث بها إلى بلده لتنشر، وأعني مقالته التي جعل عنوانها «الدقة الثالثة عشرة» قاصدا بهذا العنوان إلى القول بأن إصلاح الساعة قد يهون إذا كان كل عطبها مقتصرا على كونها تؤخر أو تقدم في إشارتها إلى الزمن، إذ ربما سهل على مصلح الساعات أن يقدم الميزان في التي أخرت، أو أن يؤخره في الأخرى التي قدمت، أما إذا دقت الساعة الدقاقة ثلاث عشرة دقة، استدل مصلح الساعات في يقين بأن الجهاز بأكمله بحاجة إلى مراجعة وإعادة تركيب؛ لأن التلف في هذه الحالة لا يكفيه أن نقدم قائمة الميزان أو نؤخرها، وفي تلك المقالة صعد مصعد أصابه شيء من الكساح، صعد بمفتش التعليم إلى فصل دراسي في طابق علوي من عمارة ضخمة كثيرة الطوابق، حيث اجتمع عدد من أطفال المرحلة الأولى من مراحل التعليم، وهناك وقف ليستمع إلى طفل يطالع في كتابه بصوت مسموع، فأخذ يتهجى الحروف المفردة فيذكرها واحدا واحدا، ثم يضمها معا في الكلمة التي تتألف منها، وكان أول ما سمعه المفتش قول الطفل «تاء، باء ... زرع» فامتعض المفتش وأسرع عائدا إلى ديوان التعليم ليقرر للرؤساء حقيقة ما سمع ورأى، وكانت تلك الحقيقة هي أن عقل الطفل منذ المرحلة الأولى في حياته التعليمية، يصاغ على نحو يجيز له أن يتقبل المفارقات والأضداد والمتناقضات جنبا إلى جنب في موقف واحد، بالطمأنينة والرضا، فيكبر وتزداد في حوصلته تلك المتنافرات سعيدا بها مدافعا عنها.
شيء كهذا كان صاحبنا قد أجاد تصويره في مقالة «الدقة الثالثة عشرة» - وفي غيرها من تلك المجموعة التي كتبها هناك في أواسط الأربعينيات - مستهدفا بذلك كله أن يثير القلق في نفوس مواطنيه؛ لما يحيون فيه من مناخ اللاعلمية واللاعقلية، شعروا بذلك أم لم يشعروا، وكان ذلك بمثابة التمهيد، فأول الإصلاح معرفة الداء ومواضعه، فها هو عالم جديد يدخل من تاريخه في عصر جديد، غرست بذوره - كما أسلفنا القول في أحاديث سابقة - في كبريات الأفكار الجديدة التي أبدعها مبدعوها خلال القرن الماضي كله، ثم ترك لهذا القرن العشرين وما بعده، أن يخرج تلك الأفكار الكبرى من مرحلة النظر إلى عالم التطبيق في حياة الناس الجارية يوما بعد يوم، وقد يختلف أصحاب الرأي في تحليل عصرنا هذا إذا ما أرادوا رده إلى المبدأ الأساسي الذي تنبثق عنه سائر الفروع، لكن الرأي في ذلك لن يبعد عن الحق بعدا يفسد صوابه، إذا هو ارتأى أن محور عصرنا هذا الجديد، هو «العلم الطبيعي» منظورا إليه بنظرة جديدة، وتتضمن هذه العبارة فيما تتضمنه، أن العصور العلمية السابقة ربما برعت في «العلم الرياضي» كثيرا أو قليلا، لكنها لم تكن قد توجهت بجهودها نحو «العلم الطبيعي» إلا قليلا، وكان هذا القليل نفسه من طراز غير الطراز الجديد الذي خلع على عصرنا طابعه وهويته.
ولعله مما يفيد القارئ، ويضعه «في الصورة» (كما يقال)، أن نذكر له صفتين بين مجموعة صفات أخرى اجتمعت لتعطي للفيزياء الجديدة خاصتها المميزة، أولاهما - كما أشرنا في كثير مما كتبناه - استخدام الأجهزة في عملية البحث العلمي ذاتها، ولم يكن شيء من ذلك يحدث في البحث العلمي عند السابقين، إلا بدرجة أضأل من الضآلة، وعلى مستوى أبسط من البساطة، وبالأجهزة البحثية الدقيقة، والتي تزداد دقتها كل يوم، حتى لقد أصبح «تعريف» التقدم العلمي بأنه هو التقدم في الأجهزة البحثية ودقتها، هذا فضلا عن جانب آخر من هذه الظاهرة، وهي أن النتائج التطبيقية للعلوم قد بات يغلب عليها أن تكون بدورها في صورة أجهزة تعرض للاستعمال في حياة الناس الفعلية، وأما الخاصة الثانية مما أردنا عرضه على القارئ عما يتميز به العلم الطبيعي الجديد، فهي مشتقة من الخاصة الأولى، وأعني بها تلك الدقة التي تزداد بها الأجهزة البحثية في مجال العلوم، إذ مؤدى التزايد المتواصل في دقة المقاييس بكل أنواعها، كالسرعة، والوزن، والأبعاد المكانية إلخ، أن تتغير مقاديرها اطرادا مع زيادة الدقة، فالميزان الذي يعطيك اليوم رقما دالا على كتلة الجسم الموزون سوف يحل محله غدا ميزان أكثر دقة، يتغير به الرقم تغيرا ربما كان بالغ الصغر، لكنه تغير على كل حال، إذن فلو سئل علماء الطبيعة عن رقم من تلك الأرقام التي تدل على جانب أو آخر من جوانب الظاهرة المبحوثة، ما هو؟ فهل يسعهم إلا أن يجيبوا جوابا «مؤقتا»، توقيتا مرهونا بالدرجة التي بلغتها الأجهزة البحثية من التقدم، ومعنى ذلك أن كل أنواع المقاييس إن هي إلا تقريبات مقيدة بما تستطيعه الأجهزة البحثية في مرحلة زمنية معينة، سرعان ما تمضي لتجيء مرحلة تليها، بأجهزة أكثر قدرة ودقة، وإذا بالمقاييس قد أخذت أرقاما أخرى وهكذا، ومحصلة هذا كله هي أن صفة اليقين الحاد الحاسم التي كانت تصف أحداث الطبيعة عند علمائها، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وجزء من التاسع عشر، قد استبدل بها صفة أخرى بوحي من واقع البحث العلمي وأجهزته ونتائجه، وتلك الصفة الأخرى هي أن الحقيقة العلمية نسبية، ونسبيتها مرهونة بالتقدم في الأجهزة البحثية، وبعوامل أخرى قد نذكر بعضها في مناسباتها.
إننا هنا نتحدث عن «العلم» الطبيعي في عصرنا، وكلمة «العلم» في استعمالنا نحن لها، ولا أقول استعمالها على ألسنة من لم يحصلوا من العلم على شيء يذكر، بل أعني فئة ضخمة ممن ظفروا بقسط موفور منه، بل وربما امتدت تلك الفئة لتشمل عددا ممن جعلوا هذا «العلم» مدار حياتهم ومصدر أرزاقهم، أقول: إن كلمة «العلم» هذه في استعمالنا نحن لها، إنما يصيبها من أذى التشويه ما يصيب أخوات لها كثيرات يقعن جميعا في صميم الحياة الفكرية والثقافية بصفة عامة، فتتقدم تلك الحياة بتقدمها وتتأخر بتأخرها، ولما كان تقدمها مرهونا - بغير شك - بدرجة وضوحها في الأذهان، أدركنا كم تتعثر بنا الحياة الثقافية بسبب الغموض المعتم الذي يلف مجموعة المعاني المحورية الخطيرة، التي من بينها معنى «العلم»، مما يحملنا على السؤال: متى تكون الحقيقة «العلمية» علمية بالمعنى الصحيح لكلمة «العلم»؟ وليس المجال هنا مجال تفصيل القول جوابا عن هذا السؤال، وتكفينا الإشارة السريعة الموجزة إلى جوانب، بغيرها يفقد القول المعين أهليته ليكون جزءا من علم، أيا كانت طبيعة هذا العلم، وأول ما نود الإشارة إليه في هذا الصدد، هو أن لغة العلم يجب وجوبا أن تختلف عن لغة الناس في حياتهم اليومية؛ لأن لغة الناس هذه إنما خلقت ليعبروا بها عن «رغباتهم» وما «يشعرون» به من حالات مستبطنة في دخائل نفوسهم، ثم هي فوق ذلك لغة يراد بها قضاء المنافع في سبل العيش وتبادل الحديث بين الناس، وأما لغة «العلم» فلا بد لها - قدر طاقة البشر - أن تخلو خلوا تاما مما هو «خاص» بذات المتكلم، من رغبات ومشاعر ومنافع موقوتة بلحظتها، ومن هنا اختلف القول عن الشيء الواحد المعين، بين أن يرد ذكره في بحث علمي وبين أن يرد في أحاديث الناس الجارية، ففي هذه الأحاديث لا يريد المتحدثون عن «الماء» أكثر من أن يكون «ماء»، وأما في سياق البحث العلمي عن «الماء» فهو يترجم إلى عناصره الأولية التي هو مركب منها، وفي أحاديث الناس اليومية لا يريدون إذا أرادوا الحديث عن «الفقر» إلا أن يشيروا إليه بهذه الكلمة، وهل هنالك في أحاديث الناس اليومية ما هو أوضح من أن نسمي «الفقر» فقرا و«الثراء» ثراء؟ لكن عالم الاقتصاد وهو في سياق بحثه العلمي، يجد في هاتين الكلمتين غموضا يفسد عليه علمية بحثه، فيلجأ إلى تحديد متوسط دخل الفرد من جماعة الناس التي جعلها مدار بحثه، ومثل هذا المتوسط العددي لا يوصف في ذاته بفقر أو غنى، بل الأمر في هذا الصدد متوقف على نسبة هذا المتوسط إلى متوسطات أخرى في جماعات أخرى، أو على نسبته إلى ما يكلفه الحد الأدنى المقبول من نفقات العيش، أو ما يشبه ذلك من معايير، فإذا كان الموضوع المبحوث من طبيعة يتعذر فيها ترجمته إلى لغة الرياضة، تحتم على الباحث العلمي أن يلجأ إلى تعريف مصطلحاته الواردة في بحثه تعريفا دقيقا؛ ليكون هو المرجع بينه وبين من يراجعه.
بهذه الوسائل وأشباهها نضمن للعلم «موضوعيته» بأكبر درجة مستطاعة، ونبرأ من حالاتنا الذاتية الخاصة، براءة نبلغ بها أبعد حد مستطاع، فإذا قلنا إن مفتاح دخولنا إلى ساحات عصرنا، لكي نعد من أبنائه كما يجب أن نكون، هو أن نتشرب روح «العلم» بحقائق الأشياء - وأعني «العلم الطبيعي» بصفة خاصة - كنا في الوقت نفسه بمثابة من يشترط على نفسه منهاجا للرؤية التي ينظر بها إلى العالم، يتميز بما يتميز به ذلك العلم، ألا وهو الدقة الموضوعية إزاء ما نريد العلم بحقيقته، دقة تتبين «الواقع» في واقعيته، بحيث لا يخالطها شيء من رغباتنا وميولنا ومشاعرنا، إذ لا يغير من واقعية الواقع أن نرضى عنه أو نسخط، إلا بمقدار أن تدفعنا معرفتنا بحقيقة الأمر الواقع، إلى الحفاظ عليه إذا وقع منا موقع الرضا، أو تغييره إذا وجدناه مثيرا للسخط والغيظ.
على أن هذا الذي ذكرناه، قد يكون موضع قبول عند الجميع، ما دام هو حديثا عن «العلوم الطبيعية» إذ هي علوم لا يتدخل فيها عامة الناس، تاركين الخبز لخبازه، ثم هي علوم عند أصحابها من علماء الفيزياء والكيمياء، وغيرها من فروع في هذا المجال، مكفول لها كل الشروط التي ذكرناه، والشروط التي لم نذكرها لأن المجال هنا ليس مجالها، لكن هذا الموقف يتغير تغيرا حادا، إذا ما انتقلنا بالحديث من دائرة «العلوم الطبيعية» المشهود لها بهذه الصفة، إلى دائرة «العلوم الإنسانية» - وقد تسمى بالعلوم الاجتماعية - كعلوم «النفس» و«الاجتماع» و«الاقتصاد» و«السياسة» و«النقد» (نقد الأدب والفن) و«الفلسفة»، وغيرها مما يدرس عادة في الكليات الجامعية التي جرى العرف على تسميتها بالكليات النظرية؛ وذلك لأنه يشق على من لم يدرب تدريبا كافيا على الفصل بين ما يندرج في قائمة العلوم الطبيعية وما لا يندرج، أن يضم في حزمة واحدة علوما تبحث في ظواهر طبيعية كالضوء والكهرباء والجاذبية، وعلوما أخرى تبحث في خصائص «الإنسان» النفسية والاجتماعية، إذ كيف نسوي - هكذا قد يسألون - بين مادة صماء بكماء تخضع لقوانينها خضوعا جبريا لا حيلة لها فيه، وبين «الإنسان» صاحب الإرادة الحرة التي تختار ما تختاره وترفض ما ترفضه، وهو الإنسان المسئول عما يفعل بناء على اختياره الإرادي الحر؟ إن الإنسان متأثر بعواطفه ومشاعره، يحب ويكره، ويغضب ويرضى، ثم هو قد يتسامى على عواطفه ومشاعره ليلقي إلى عقله بزمام نفسه، نعم، إنه ليشق على من لم يدرب على النظرة العلمية رؤية الفواصل التي تفرق بين ما يصلح أن يكون موضوعا للبحث العلمي المنهجي الدقيق، وما لا يصلح لمثل ذلك البحث، وهؤلاء ينظرون إلى الكائن البشري في مجموعه وكأنه وحدة مستحيلة على التحليل إلى عناصر، ومن ثم يرفضون أن يتساوى هذا الكائن البشري - من حيث صلاحيته لأن يكون موضوعا لمنهج البحث المستخدم في سائر العلوم الطبيعية - فيرونه ينزل منزلة سامية شريفة تلتزم مبادئ الأخلاق التي هي مسئولة عنها في الدنيا وفي الآخرة معا؛ ولذلك فهم يفضلون أن يكون هنالك للبحث العلمي أكثر من منهج واحد، فهنالك منهج للجانب المادي من الكون وظواهره، وهنالك - أو يجب أن يكون هنالك - منهج آخر عندما يكون موضوع البحث جانبا يمس «الإنسان» من حيث هو «إنسان»، ونقول هذا لأن في الإنسان جوانب يشترك فيها مع أي كائن حي آخر، كالبحث في الأعضاء ووظائفها، وفي التغذية والنمو، وليس هذا الفريق الذي يريد تكريم الإنسان بتخصيص منهج علمي خاص به، مقتصرا على عامة الناس، بل إنه ليجاوز هؤلاء العامة ليشمل فئة من «العلماء» أنفسهم.
ولم يكن صاحبنا في نظرته العلمية واحدا من هؤلاء، إذ استطاع أن يرى في الظاهرة «الإنسانية» ذلك الحد الفاصل بين ما يمكن إخضاعه لما تخضع لما موضوعات العلوم الطبيعية من شروط المنهج البحثي، وبين ما يستعصي إخضاعه لذلك المنهج، فأما الجانب الممكن فهو وحده الذي يوضع موضع البحث العلمي، وأما الجانب غير الممكن فيوكل النظر فيه إلى دائرة الموضوعات «الوجدانية»، ولهذه الموضوعات مناهجها ومقاييسها، فلا يعقل أن يحاسب موقف الإعجاب بمعزوفة موسيقية، أو قصيدة من الشعر، بما يحاسب به موقف الباحث العلمي الذي يحاول الوصول إلى قوانين الفيزياء والكيمياء، ويكون معنى هذا كله، هو أن ثمة منهجا واحدا مقبولا عند «العلم» الطبيعي، يشمل جميع الكائنات، ومن بينها ذلك الجانب من «الإنسان» الذي يمكن وضعه موضع المشاهدة العلمية، والتجربة المنهجية، واستخراج القوانين التي تنتظم مسالك ذلك الجانب، فتكون هي قوانين «علم النفس» أو «علم الاجتماع» أو أي علم مما يتفرع عنهما، وهي قوانين لم تبلغ بعد دقة قوانين العلوم الطبيعية، إلا أن الفرق بين الحالتين إنما هو فرق في الدرجة، وليس فرقا في «النوع».
Unknown page