وقد خسرت حكومة الشيجون بموت هذا الوزير خسارة كبرى؛ لأن الوكيل أصبح عاجزا عن تدبير شئون الشعب الياباني، فسارت الفوضى في البلاد، وضاعت حقوق العباد، وانتهكت الحرمات وساد الفساد. وبعد قليل من الزمن اقترح بعض عقلاء الأمة نظاما يوحد الحكومتين، ويوفق بين الطرفين، فيشترك الوكيل مع الإمبراطور في الملك، ويشترك الإمبراطور مع الوكيل في الحكم. وهذا ما يسمى الآن بالسلطتين الاسمية والفعلية.
ويظهر لنا أن أغلب الملتزمين عضدوا ذلك الاقتراح المعقول ووافقوا عليه؛ لأن حبهم للإمبراطور كان يعادل طاعتهم لوكيله، وهو رئيسهم الأكبر، ومقسم أرزاقهم، وواهبهم أملاكهم، ولكن أنصار هذا الاقتراح لم يخطر ببالهم أنه سيؤدي إلى زوال دولة الوكيل وسقوطها سقوطا لا نهوض لها بعده.
وكان في اليابان في ذلك العهد فئة من الأشراف تسمى فئة الكوج، وهم أشراف البلاط الإمبراطوري، وكانت هذه الفئة بالطبع متفانية في حب الميكادو؛ لأنه لم يكن يحجب نفسه عن فرد من أفرادها، كما أنها لم تكن متعصبة للشيجون لاستغنائها عنه وعدم ارتباطها به. وكان هؤلاء الأشراف من سلالة النبلاء الذين كانوا يلتفون حول العرش الإمبراطوري قبل أن يتغلب الوكيل على الميكادو، ويسلبه سائر حقوقه الشرعية، ويحرمه من التمتع بالعرش الذي ورثه عن آبائه وأجداده.
فلما دالت دولة الميكادو، وأصبح الحل والعقد بيد الوكيل، قل نفوذ هؤلاء النبلاء، وأصبحوا كواو عمرو لا نفع لهم ولا نفوذ، واقتصروا على حضور بعض الاحتفالات الرسمية في البلاط الإمبراطوري، بعد أن كان لهم في عهد السلطة الإمبراطورية من القوة والشأن ما لم يكن لغيرهم، فكأن العداوة بين الوكيل والأشراف كانت طبيعية؛ لأن في قوته ضعفهم، وفي فوزه فشلهم، وفي غناه فقرهم، وفي مجده خزيهم وعارهم.
فلما سنحت لهم تلك الفرصة نهضوا نهضة كبرى، وعضدوا الحزب الإمبراطوري بكل ما في وسعهم، وكان بينهم جماعة من كبار السياسيين، فدبروا من المكائد ما دبروا، ولم يألوا جهدا في خذل حكومة طوكيو، ولم يدخروا وسعا في نصرة الميكادو، وقام بعضهم يقول بأن الحكومة المزدوجة لا تنفع ولا تفيد، ولا يمكن للأمة اليابانية أن ترضى إلا برد حقوق الإمبراطور إليه، والاعتماد في سائر شئون الدولة عليه، وكان حزب من الشبان المنورين الفقراء يسعون في التقرب من بلاط الإمبراطور؛ فلم تفر تلك الفرصة من أيدي الأشراف، بل انتهزوها وانتفعوا بها؛ بأن عضدوا هؤلاء الشبان، فأشار الشبان على رؤسائهم وأولياء نعمتهم من الملتزمين بتعضيد الإمبراطور.
ثم طلبوا ذلك التعضيد منهم ملحين ملحفين، وبعد قليل انضمت عشيرة جديدة اسمها عشيرة شيوسكي إلى العشيرة الأولى، فقوي حزب الإمبراطور في زمن قصير. فلما اشتد ساعد الأشراف اشتغلوا بالدسائس السياسية، ودبروا دسيسة لخلع وكيل الإمبراطور، ونزع السلطة من حكومته مرة واحدة، ولكن الوكيل اكتشف الدسيسة وسعى في الانتقام من المدبرين، ولما علم الإمبراطور كومي، سلف الإمبراطور الحالي متسوهينو، بافتضاح أمر الأشراف غضب عليهم ، وأبعد من اشتغلوا بالدسائس، وقال: إنه يقنع بالسلطة المزدوجة؛ أي باشتراكه مع الوكيل في حكومة البلاد. وكان هذا الرأي هو الغالب لدى فئة من الأشراف المعتدلين، ولكن القدر لا يعوقه شيء، والدول إذا دالت لا ينفعها الحذر، والحين إذا حان لا يؤجله إنسان، وكذلك كانت الحال في بلاد اليابان؛ فقد آن لها أن تخلص من ربق الشيجون مهما قنع الإمبراطور بالقليل، ومهما افتضح سر المتآمرين.
فقد شعر الوكيل أن مركزه أصبح حرجا للغاية، وأن القوة التي كان آباؤه وأجداده متمتعين بها من قبله قد أصبحت قوة وهمية، وقد استبان أن أسلافه هم الذين أخطئوا وأوقعوا نسلهم في تلك البلية؛ لأنهم لم يحتفظوا بالشرائع الوطنية، ولم يراعوا مصلحة الأمة اليابانية، بل عاثوا في الأرض فسادا، وحصروا في أنفسهم السلطة الاستبدادية، وتفردوا بالحكم؛ فجنوا عليه تلك الجناية.
ومنذ ذلك اليوم بقيت حكومة طوكيو على ما هي عليه، ولكنها صارت جسما بلا روح، وأصبحت هدفا لسخط العشائر والقبائل؛ فقامت عشيرة نوسا، وهي لا تقل في الأهمية والنفوذ عن العشائر التي عضدت الإمبراطور، وعرضت على حكومة الوكيل التسليم للقضاء والقدر، والتنازل عن الحكم، ورد حقوق الإمبراطور الشرعية إليه.
ولو لم يكن نفوذ الوكيل قد ولى وأدبر لما أصغى لذلك الطلب، ولكنه انتهز تلك الفرصة وأظهر حبه وطاعته للإمبراطور، ورأى أن الحكمة تقضي عليه بالتنازل عن سلطته بمحض إرادته؛ لئلا يرغم على ذلك قسرا وجبرا، فيكون سببا في محو اسم أسرته من تاريخ اليابان بعناده، وفي هذا من العار ما لا يمحوه كر الأيام ومر الأعوام، وفي سنة 1867؛ أي بعد زيارة الأسطول الأمريكي لمياه اليابان بأربع عشرة سنة، تقدم الشيجون توكوجاوا، واسمه كيكي، إلى الإمبراطور الحالي تستوهيتو، والتمس من جلالته أن يقبل منه تنازله عن سلطته الإدارية ليتفرد بها الإمبراطور.
وقد استدعى عمل الوكيل إعجاب أهل وطنه بشممه وشجاعته وصبره وقناعته، كما امتدحوه لبعد نظره وحكمته؛ فقد استغنى مع تنازله عن السلطة الفعلية عن بلاطه في طوكيو، وكان شاملا لسائر الملاذ التي يتمتع بها الملوك والسلاطين، وعاش عيشة الملاك والملتزمين، ولكن الأشراف وحزب الأحرار المتطرفين أبوا عليه أن يبقى له شيء من هذا، وطلبوا أن يتنازل عما يملك من الأراضي، ويتخلى عن أتباعه وعشيرته.
Unknown page