وأوجه الشبه والتوحد بين التراث العبري والأسطورة السومرية المعنونة: «إنكي وننخرساج» مثل واضح على ذلك. وقد نشرت هذه الأسطورة عام 1951، ولكن محتوياتها بقيت غير واضحة إلى عام 1954، حين نشرت نشرة مفصلة عن النص. والقصيدة مؤلفة من 278 سطرا، منقوشة في لوح مؤلف من ستة أجزاء، وهو محفوظ الآن بمتحف جامعة بنسلفانيا، ويوجد نص صغير باللوفر، تعرف عليه «كييرا»، وبه يرد كيف كانت بلاد «دلمون»
12
أرضا طاهرة مشرقة نظيفة معدة للحياة، لا تعرف المرض ولا الموت، لكن لم يكن ينقصها غير الماء العذب الملائم لحياة الحيوان والنبات، فيأمر إله الماء العظيم «إنكي»، يأمر «أوتو» إله الشمس أن يملأها بالمياه العذبة النابعة من الأرض، وهكذا تحولت دلمون إلى حديقة إلهية خضراء بالحقول المزهرة بالأثمار والرياض، وفي هذا الفردوس الإلهي خلقت الإلهة «ننخرساج»
13 (الإلهة الأم) العظمى عند السومريين، ولعلها «الأرض الأم» في أصلها ثمانية أنواع من النبات تنمو وتزدهر، لكن لم تفلح هذه الإلهة في أن تظهر النباتات إلى الوجود إلا بعد عملية معقدة شملت ثلاثة أجيال من الإلهات، ولدن كلهن من إله الماء إنكي، وقد أكدت القصيدة أن ولادتهن تمت بدون أدنى ألم عند المخاض.
ولما أراد إنكي أن يذوق طعم هذه النباتات أمر رسوله المسمى «إيسمد»
14 - وهو إله يمثل بوجهين - أن يقطف له من هذه النباتات العجيبة، فأتى بها الرسول وقدمها للإله الأعظم، فأتى عليها كلها بالترتيب. لكن لما علمت «ننخرساج» بالأمر غضبت ونطقت
15
بلعنة الموت على الإله «إنكي»، ولكيلا تتراجع في قرارها اختفت من بين الآلهة.
وكما يتضح فالأمر لا يبعد كثيرا عن إقدام آدم - أبو البشر - بتحريض من حواء الأولى على الأكل من الشجرة أو الفاكهة المحرمة، وما أعقب هذا من طرده من الفردوس إلى جحيم الأرض، وإدماء حواء والإنقاص من قدرها، وتوحدها بالحية والشيطان.
وبدأت صحة «إنكي» تتردى، ومرضت ثمانية من جوارحه (أعضائه)، واغتم الآلهة العظام لمرضه وحزنوا عليه وجلسوا في الرغام، حتى إنليل نفسه إله الهواء - كبير الآلهة السومرية - لم يتمكن من إنقاذه، فانبرى الثعلب وقال للإله «إنليل» إنه إذا أحسن مكافأته فسيأتي بالإلهة «ننخرساج» من مخبئها، ونجح الثعلب بحيلة ما في إرجاع الإلهة الأم، وشفي إنكي المشرف على الموت - المقارنة مع التوراة.
Unknown page